ارشيف من : 2005-2008

تضييق الخناق على القوات الأمريكية في قرغيزيا:آذار 2006 شهر احتدام التنافس الأمريكي -الروسي

تضييق الخناق على القوات الأمريكية في قرغيزيا:آذار 2006 شهر احتدام التنافس الأمريكي -الروسي

تميزت العلاقات الروسية - الأمريكية في السنوات الأخيرة بفتور عكس حقيقة ما يدور بين الدولتين من تنافس في أكثر من مجال.‏

ولتوخي الدقة فإن العلاقات كانت محكومة لجانبين، الأول: محاولات واشنطن فرض نفوذها على المناطق المعروفة تاريخياً بأنها مناطق نفوذ روسي، والعمل على إبعاد روسيا عن التأثير على السياسة الدولية والحد من نفوذها في هذا المجال على أمل جعلها قوة إقليمية مؤثرة موالية أو حليفة لواشنطن وخاضعة لهيمنة القطب الأوحد في العالم من وجهة النظر الأمريكية.‏

أما الجانب الثاني: رفض روسيا لمجمل السياسات الأمريكية المتعلق منها باستغلال واشنطن لحروبها كذريعة لنشر قواتها في جمهوريات آسيا الوسطى، ومن ثم دعم (الثورات) في بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة لتنصيب‏

أنظمة حكم موالية للغرب ونشر قوات حلف الناتو في مناطق ذات أهمية استراتيجية للأمن القومي الروسي. كما رفضت موسكو وفي أكثر من مناسبة قبولها بمبدأ (القطب الأوحد) في السياسة الدولية حاولت التأكيد دوماً على ضرورة احترام الجميع للقرارات الصادرة عن المؤسسة الدولية.‏

ويمكن القول إن المواجهة بين الإدارة الأمريكية والقيادة الروسية أخذت طابعاً أكثر حدة خلال الأعوام الثلاث الماضية التي زادت فيها واشنطن من تدخلها بالشؤون الداخلية لجمهوريات الجوار الروسي، وصولاً إلى محاولات التدخل بالشؤون الداخلية لروسيا الاتحادية تحت شعار نشر الديموقراطية. ولاحظ المتتبعون لشؤون الجمهوريات‏

السوفييتية السابقة، ولتتنافس الدائر بين الولايات المتحدة وروسيا في تلك الجمهوريات، لاحظوا أن روسيا قد تمكنت من تحقيق بعض النجاحات التي ظهرت بصورة جلية من خلال قمة منظمة شنغهاي الأخيرة (5/7/2005العاصمة الكازاخية أستانا) عندما طالب المجتمعون (الصين، روسيا، كازخستان، أوزبيكستان، قرغيزستان،طاجيكستان، ومعها كأعضاء مراقبين كل من إيران والهند وباكستان) من واشنطن سحب قواتها الفوري من جمهوريات آسيا الوسطى أو تحديد موعد محدد لهذا الانسحاب.‏

وفي آخر التطورات في هذا الشأن فإن القيادة القرغيزية التي لم تضغط نحو السحب الفوري للقوات الأمريكية من أراضيها مثلما فعلت أوزبيكستان، أعلنت مؤخراً عن (توسيع القاعدة الجوية الروسية في قرغيزيا بمرتين ونصف) والجدير بالذكر أن روسيا لا تدفع مقابل تواجد قواتها هناك لأن هذه القوات هي جزء من القوات التابعة لمنظمة دول اتفاقية الأمن الجماعي حيث قرغيزيا عضو فيها إلى جانب أرمينيا وبيلاروسيا وكازخستان وطاجيكستان وروسيا طبعاً.‏

أما القوات الأمريكية المتواجدة هناك فإنها تدفع 2مليون دولار مقابل استخدامها الأراضي القرغيزية، وكان الرئيس القرغيزي قد طالب في منتصف شهر فبراير 2006 أن ترفع واشنطن قيمة المبلغ إلى 200 مليون دولار وأضاف: (لم نأت بهذه الأرقام من فراغ، هناك معايير دولية تحدد سعر الهكتار وسعر المتر المربع الواحد من أرضي مطار بمستوى المطار الذي تستخدمه القوات الأمريكية. إن هذا المبلغ يتناسب مع المعايير الدولية. ضف على ذلك الوضع الاقتصادي في قرغيزستان الذي لا يسعنا سوى أن نأمل له الأفضل. كل من يمارس نشاطات كهذه يجب أن يدفع. لسنا دولة غنية كي نقدم مواقعنا للآخرين مجاناً. الأمريكيين تعاملوا مع القرار بتفهم. لكن الحقيقة لا لأعلم بعد كيف سيردون على طلبنا).‏

يبدو أن الولايات المتحدة التي خسرت تواجدها في أوزبيكستان ستجد نفسها قريباً مضطرة على التواجد في رغيزيا لكن ضمن مجموعة شروط تتجاوز الجانب المادي، إذ يتوقع المحللون أن تطالب القمة القادمة لمنظمة دول اتفاقية الأمن الجماعي (يوليو 2006) هذه القوات بتحديد طبيعة المهام التي سيقوم البنتاغون بتنفيذها عبر مطار (ماناس) حيث تتواجد قوات جوية تابعة له.‏

إن هذه الخطوة التي سيكون لها أثر على موازين القوى في آسيا الوسطى وترجيح الكفة لصالح التواجد الروسي، و ستضع الإدارة الأمريكية واستراتيجيتها الرامية إلى تضيق الخناق على روسيا والاقتراب قدر الإمكان من حدود الصين، إضافة إلى إحكام الطوق على جمهورية إيران، في موقف حرج قد يدفعها إلى الإقدام على بعض المغامرات التي لن تقتصر بالضرورة على قرغيزيا بل قد تكون أي جمهورية في آسيا الوسطى مسرحاً لها. وهنا لا بد من الإشارة إلى حدث شهدته كازخستان مؤخراً مر مرور الكرام، لكن هناك ما يدفع إلى النظر إليه على أنه تجربة أولية لمغامرة أمريكية تهدف إلى زعزعة الاستقرار في آسيا الوسطى من خلال زعزعة الوضع الأمني‏

الداخلي في أكبر جمهوريات المنطقة، كازخستان.‏

ففي مطلع الشهر الجاري (فبراير2006) عثرت القوات الأمنية الكازاخية على جثة قطب بارز في المعارضة الكازاخية (ألتين بيك سارسنبايف) و جثتي مرافقه وسائقه الشخصيين بالقرب من مدينة ألما آتا. ومنذ اللحظات الأولى وجهت المعارضة أصابع الاتهام نحو الحكومة والرئيس نزربايف. لكن ما لفت الانتباه هو التشييع الذي‏

شارك فيه كل رموز المعارضة وإلى جانبهم السفير الأمريكي في كازخستان.‏

ولأول مرة في تاريخ المعارضة الكازاخية خرج إلى شوارع ألما أتا عدة آلاف لتشييع الراحل ورفعوا يافطات كُتب عليها (بالأمس نوركاديلوف واليوم سارسنبايف، وغداً من؟).‏

زمان بيك نوركاديلوف هو قطب من أقطاب المعارضة عُثر على جثته مقتولاً بطلق ناري في منزله أثناء عشية الانتخابات الرئاسية. حينها اعتبر المحللون أن الجهة التي قامت بهذا العمل الإجرامي تسعى إلى تعكير الأجواء عشية الانتخابات وجر البلاد إلى توتر أمني ومواجهة بين السلطات والمعارضة، كاد أن يبدأ أثناء مراسم‏

التشييع، لكن القوات الأمنية تعاملت مع الموقف بهدوء وتمكنت من السيطرة على الوضع كلياً.‏

الآن وبعد مرور ثلاثة أشهر على مصرع نوركاديلوف قامت جهة ما، ولأسباب ما زالت مجهولة بقتل سارنبايف الذي يتمتع بشعبية واسعة واحترام كبير يكنه له الخصم والحليف. وهنا يفرض نفسه سؤال منطقي حول الدوافع الخفية لأعمال من هذا النوع سيما وأن المتضرر الأول نتيجة عملية الاغتيال المذكورة هو الرئيس نزربايف. بأي‏

حال لا يحق لأي كان توجيه الاتهام قبل استكمال التحقيق وظهور نتائجه. لكن مشاركة السفير الأمريكي التي رأت فيها المعارضة رسالة دعم أمريكية واضحة تدل على استغلال الإدارة الأمريكية لحدث جلل كهذا وتسخيره لصالح استراتيجيتها في آسيا الوسطى.‏

إن تضييق الخناق على التواجد العسكري الأمريكي في قرغيزيا سيكون ضربة مؤلمة ثانية توجهها موسكو لواشنطن بعد دعوة بوتين لقادة حركة حماس إلى موسكو، وهناك في الأيام الماضية من شهر فبراير مجموعة أحداث وأخرى سيشهدها شهر مارس القادم (زيارة وفد حماس لموسكو- الانتخابات البرلمانية في أوكرانيا والرئاسية في بيلاروسيا) يُتوقع أن تكون نتائجها على عكس الرغبات والخطط الأمريكية. فهل سيكون آذار 2006 شهر التحول من تنافس فاتر إلى مواجهة أكثر حدة بين الدولتين.‏

طه عبد الواحد‏

[email protected]

"> href="mailto:[email protected]">[email protected]

21 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30