ارشيف من : 2005-2008
نواب البرلمان الجزائري يدافعون عن ظاهرة الفساد
كتب توفيق المديني
لقد تم إفراغ قانون محاربة الفساد في الجزائر من كل محتوى بإلغاء المادة السابعة التي تلزم كل الكوادر العليا في الدولة بالتصريح بممتلكاتهم قبل وفي أثناء تقلدهم مناصبهم.فها هم نواب الجمعية الوطنية الجزائرية (البرلمان) يرفضون التصريح بممتلكاتهم، الأمر الذي اعتبره المحللون السياسيون و القانونيون بالموقف الذي يكرس الطلاق التاريخي بين الشعب ومنتخبيه على مستوى أهم مؤسسة في البلاد.
ومن الواضح أن موقف النواب الجزائريين لا يعكس الرؤية الشفافة التي تقوم على محاربة الفساد،وعلى تمكن الإعلاميين و المنظمات غير الحكومية من التحقيق في أساليب تسيير الشؤون العامة، بل إنه يعكس سلوكا غير منطقي يقوم على الدفاع عن الامتيازات غير المبررة ، و رفض تأسيس الحكم الراشد.
وكان امتناع النواب عن الرضوخ للبند المتعلق بالكشف عن الممتلكات قد أثار زوبعة كبيرة في الشارع السياسي والإعلامي، خصوصا مع تواصل هزال الأداء الرسمي وتردّي الممارسات الإدارية، وسط تزايد فضائح أعوان الدولة والمنتخبين، ومن شأن هذا الامتناع أن يلقي بظلاله في خضم تنامي ظاهرة الرشوة والفساد والمحاباة في الإدارات ومؤسسات الدولة، مع الإشارة إلى أنّ القانون موضع الجدل سيعين على محاربة الفساد داخل دواليب الحكم وعموم المؤسسات التنفيذية وأجهزة الدولة بالاعتماد على قاعدة "الحساب والعقاب"، فضلا عن اعتماد "السيرة الذاتية" و"كشوف النقاط" أي عمليات إنهاء مهام المغضوب عليهم، أو شطبهم النهائي من الوظيفة العمومية أو إحالة بعضهم إلى التقاعد.
وقد اعتبر الأخصائيون القانونيون البارزون في الجزائر أن امتناع نواب الشعب عن المصادقة على المادة التي تجبرهم مثل سائر كبار موظفي الدولة، على الكشف عن ممتلكاتهم، هو بكل المقاييس سابقة خطيرة في تاريخ الهيئة التشريعية، ولعل ما يجعل من هذا الامتناع سابقة، معاكسته ومخالفته للاتفاقيات الدولية السارية التي وقعتها الجزائر، على غرار الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الرشوة والجرائم الشبيهة العام ،2002 واتفاقية "ميريدا" لمكافحة الرشوة التي وقّعت عليها الجزائر في 2003 في المكسيك، وهي اتفاقيات تنص على تصريح البرلمانيين مع مجمل المسؤولين بالممتلكات، ووضعت آليات جديدة للتحقيق في مسائل الرشوة والفساد وتبييض الأموال، تتقاطع مع ما يشتمل عليه قانون مكافحة الفساد الذي اعتمدته الجزائر، والذي ينطوي على رفع السر البنكي وضمان طرائق ومسالك مرنة للوصول إلى أصول المبالغ والأرصدة المالية الموجودة في البنوك الأجنبية أو المهربة إلى الخارج.
واعتبرت الأحزاب البربرية المعارضة أن قانون محاربة الفساد قانون مبتور، إذ ينص
صراحة من دون حرج على إلغاء الأمر الرئاسي المؤرخ في الحادي عشر من يناير/كانون الثاني ،1997 والذي يوجب على كبار موظفي الدولة التصريح بممتلكاتهم وبثرواتهم.
وقد ندد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الأمازيغي المعارض، بتصرف النواب، وفسره على أنه كشف عن الوجه الحقيقي للائتلاف الحاكم. أما جبهة القوى الاشتراكية، فذكرت في بيان أصدرته ،أن لا حياة برلمانية في الجزائر، طالما أن قوانين كثرة تمس مباشرة بمصالح الجزائريين تم تمريرها من دون أن تناقش أو يتم إثراؤها. وقالت الجبهة ان الهيئة التشريعية في الجزائر فقدت مبررات وجودها، وأن النواب كان يجب أن يكونوا قدوة لبقية كبار الموظفين في الدولة.
في غضون ذلك ،برّر نواب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) رفضهم المادة السابعة، بمخاوف انتابتهم من لجوء الجهاز التنفيذي إلى استعمال قانون محاربة الفساد كأداة لتصفية الحسابات مع البرلمان، فتتحول المسألة إلى سلاح في يد الحكومة تساوم به أعضاء الهيئة التشريعية لتمرير ما شاءت من مشاريع القوانين، وبحسب مصادر مقربة من المؤسسة التشريعية فإنّ هذا الرأي يتقاسمه أغلبية نواب البرلمان، حيث رأوا أنّ المادة محل الجدل تحتمل غموضاً كثيراً ويمكن استغلالها للضغط على عدة مستويات، في وقت يفتقد المنتخبون أي حماية.
إن الكرة الآن في ملعب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بوصفه القاضي الأول في الدولة الجزائرية الذي دعا إلى محاربة الفساد منذ سنوات ، من خلال إشهاره "سيف الإصلاح" لقطع من سماهم "رؤوس الفساد" و"ناهبي ثروات البلاد" و"لصوص ما بعد عشرية الإرهاب"،وهو الذي يمتلك صلاحية إصدار "فتوى رئاسية" يرغم فيها نواب الجمعية الوطنية (البرلمان) على التصريح بممتلكاتهم، غداة امتناع نواب الغرفة السفلى، الليلة قبل الماضية، عن المصادقة على المادة السابعة من مشروع القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، والتي تلزم النواب بالتصريح بممتلكاتهم، والكشف عن حساباتهم المالية.
لا شك ان هذا الموقف للنواب الجزائريين أثار، سخطا كبيرا لدى الرأي العام، وأفرز استفهامات بالجملة على خلفية إصرار النواب على إسقاط المادة المذكورة، في سابقة دفعت مراقبين للجزم بأنّ المسألة التي تثير حفيظة بوتفليقة ستدفعه للتدخل كعادته لتقويم الأمور، عبر إصدار أوامر تنفيذية تبطل "فيتو" النواب، لا سيما أنهّ سبق له أن حذّر في اجتماع مجلس الوزراء، "الذين يستغلون وضعية التراخي التي ميزت بعض القطاعات لتغذية الشعور بأن الفساد من أعمال أقوياء لا يمكن معاقبتهم"، ولم يخف بوتفليقة "الكأس التي طفحت"، عندما ناشد القضاة مساعدته على مكافحة "المتنفذّين الفاسدين" واعتبرهم سبب التذمر الشعبي، طالما أنّ ما يقترفونه من تجاوزات "يشكل خطرا على السلم الاجتماعي".
ثم إن الدستور الجزائري يخول للرئيس بوتفليقة حل البرلمان، خصوصا أنّ الوفاء بموجبات القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، يفرض تطبيق مواده الـ74 كاملة، حتى يتم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمواجهة هذه الظاهرة التي استشرت بشكل خطير أصبح معه الاقتصاد الجزائري مهددا بالزوال، مع الإشارة إلى أنّ القانون إياه لا يقتصر على قمع الفساد بالمعنى الضيق، بل يمتد ليطال مخالفات تحويل الأموال وتهريبها واستغلال النفوذ والابتزاز والتعسف في استعمال الوظيفة والثراء اللا مشروع، وتضارب المصالح، وتمويل الأحزاب السياسية، والتصريح الكاذب بالممتلكات.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018