ارشيف من : 2005-2008

موافقة روسيا على تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن:خطيئة ارتكبتها الدبلوماسية الروسية

موافقة روسيا على تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن:خطيئة ارتكبتها الدبلوماسية الروسية

بينما كان البعض يؤكدون أن روسيا لن تؤيد أي خطوة من شأنها تدويل الملف النووي الإيراني ، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إحالتها الملف الإيراني إلى مجلس الأمن بعد موافقة الدول الكبرى ومنها روسيا على هذا القرار. وعلى الرغم من أن قرار الوكالة الدولية إضافة إلى ما قد يصدر عن مجلس الأمن من توصيات أو قرارات بحق إيران لن تكون على درجة من الخطورة بالنسبة لإيران في الفترة القريبة القادمة، إلا أن مجرد تدويل الملف النووي الإيراني يمكن اعتباره بمثابة نصر حققته الدبلوماسية الأمريكية ومعها الإسرائيلية مقابل هزيمة، ليست الأولى من نوعها تُمنى بها الدبلوماسية الروسية.‏

هذه هي الرؤية التي عبر عنها بعض المحللين السياسيين المتتبعين لتطور العلاقات الأمريكية- الروسية، وخصوصاً في شقها المتعلق بالتنافس بينهما من أجل النفوذ على المناطق التي تعتبر مناطق ذات أهمية حيوية واستراتيجية لأمن ومصالح كل واحد منهما. وإيران هي حلقة من الحلقات الرئيسية التي يسعى كل طرف من طرفي التنافس إلى أن يبقيها ضمن دائرة نفوذه، وكل بطريقته وأساليبه: فإذا كانت روسيا قد ركزت على إقامة علاقات تعاون اقتصادي وعسكري مميزة مع طهران لتكون حجر الأساس في علاقات تضمن لروسيا بقاء إيران حليف إقليمي لها، فإن واشنطن التي لا تملك أي وسيلة اتصال أو تعاون مؤثر مع طهران، وتعتبر في الوقت نفسه أن تنامي أي نوع من أنواع القوة الإيرانية سيشكل تهديداً لمصالحها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، قد قررت على ما يبدو تأمين الغطاء الدولي بداية للاستمرار بالضغط على طهران.‏

ويمكن القول أن غرق الصقور الأمريكيين من المنقار حتى المخالب، في المستنقع العراقي، ما زال يشكل عائقاً حقيقياً أمام إقدام الولايات المتحدة على أي عمل عسكري ضد إيران. لكن وفي الوقت نفسه فإن قساوة التجربة العراقية وما نتج عنها من استياء دولي ومحلي اتجاه سياسة إدارة بوش، دفع هذه الإدارة إلى الابتعاد مؤقتاً عن اتخاذ القرارات الفردية التي لا تحظى بدعم وتأييد دوليين. أي أن واشنطن بدأت تسعى نحو تسيير مصالحها، لكن مع الحرص على أن يبدو الأمر وكأنه يتمتع بإجماع دولي. باختصار فإن إدارة بوش أدركت أن أي مغامرة جديدة قد تُقدم عليها لا بد وأن تكون في إطار قرار دولي، كي تتحمل الدول الكبرى وهيئة الأمم مسؤولية المغامرات التي يدفع نحوها الكاوبوي الأمريكي بدهاء ومكر.‏

من هنا يمكن القول أن قرار إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن وبموافقة روسية وصينية، ليس إلا خطوة أولى تمهيدية نحو دفع المجتمع الدولي- عند الحاجة – إلى استصدار قرارات أكثر حدة بحق طهران. ولا يُستبعد أن تتحول الشرعية الدولية إلى غطاء لأي قرار اقتصادي أو عمل عسكري أمريكي ضد طهران. في هذا الشأن يبدو أن روسيا التي كان بمقدورها الامتناع على الأقل عن التصويت على قرار وكالة الطاقة الذرية، قد ارتكبت خطأ يمكن تصنيفه على أنه خطيئة بحق الاستراتيجية الروسية الحديثة الهادفة إلى استعادة نظام دولي متعدد الأقطاب، تمهيداً لاستعادة بعض ما فقدته من حجم دولي مؤثر.‏

أما أسباب اعتبار الموقف الروسي " خطيئة " استراتيجية فهي كثيرة، أولها أن وضع إيران على طاولة مجلس الأمن سيجعل مهمة الولايات المتحدة بمحاصرة إيران – صديقة روسيا – أمر أكثر سهولة. وفي حال تحققت هذه التوقعات فإن الخاسر الأكبر ستكون روسيا، لأن إيران التي أصبحت الآن قوة إقليمية يحسب لها الحساب لن تتأثر كثيراً بأي حصار اقتصادي، بل أن من سيحاصرها سيكون الخاسر، وهناك من كتب حول احتمال إعلان الحصار الاقتصادي لإيران متسائلاً (من سيحاصر من؟).‏

وما يزيد من التأكيد على أن الاستراتيجية الروسية هي الخاسر الأكبر من تدويل ملف إيران النووي، معلومات جاءت في تقرير أمريكي يُعرف باسم (المنظور الدفاعي) ويصدر مرة كل أربع سنوات، تأخذ النخبة الحاكمة بعض فقراته بعين الاعتبار أثناء وضع السياسات الدولية. حيث ذكر التقرير أن التركيز على التعاون العسكري مع الهند وإقامة علاقات تحالفية استراتيجية معها يجب أن يكون ضمن أولويات الإدارة الأمريكية في مواجهة الخطر المتنامي للمارد الصيني. ومن نافل القول أن روسيا تقيم علاقات تعاون عسكري قوية مع دلهي، الأغلب أنها ستتراجع في حال بدأت الولايات المتحدة بناء محور كبح جماح المارد الصيني جاعلة من الهند نقطة رئيسية لهذا المحور. في هذا الإطار سيكون لعلاقات تحالفية روسية –إيرانية دور هام لتشكيل توازن استراتيجي في مواجهة المحور الأمريكي- الهندي المضاد للصين، وهذا يتطلب بالضرورة الحفاظ على إيران قوية عسكرياً.‏

إن الولايات المتحدة التي تسمي نفسها قوة عظمى تسارع إلى استخدام كل أدواتها الدبلوماسية والعسكرية لحماية أي طرف أو دولة تجمعها بها مصالح محدودة، ناهيك بالحماية المطلقة لإسرائيل على الرغم من كل انتهاكاتها لقرارات الشرعية الدولية، فهل من الصعب على روسيا التي تعتبر نفسها قوة عظمى أيضاً، أن تقدم دعم مماثل لحلفائها مع العلم أن هؤلاء الحلفاء ما زالوا يتصرفون في إطار احترام الشرعية الدولية؟‏

طه عبد الواحد‏

[email protected]

"> href="mailto:[email protected]">[email protected]

2006-10-30