ارشيف من : 2005-2008
وجهات نظر حول أهداف روسيا من دعوتها لقادة حماس ـ 14/2/2006
كتب طه عبد الواحد(*)
منذ الأيام الأولى لإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عدم تصنيف بلاده حركة حماس بأنها حركة إرهابية، وتأكيده بعد ذلك من مدريد على توجيهه دعوة لقادة الحركة، دأبت ألأوساط السياسية والإعلامية تبحث في دوافع الموقف الروسي، والأهداف التي تسعى روسيا إليها من خلال هذا الموقف. ومع تأكيد أغلبية وجهات النظر في هذا الشأن أن الخطوة الروسية كانت إيجابية لأنها أبعدت شبح العزلة عن حركة حماس، وأفشلت المخططات الإسرائيلية والأمريكية بعزل القيادة الفلسطينية القادمة، نظر البعض إلى أهداف موسكو نظرة تشاؤمية، بينما رأى فيها آخرون نقلة نوعية ستغير مسار عملية التسوية لصالح سلام عادل يحقق بعض تطلعات الشعب الفلسطيني، ويضمن لروسيا العودة إلى منطقة الشرق الأوسط بصفة دولة كبرى لها دورها الفعال في حل النزاعات الإقليمية والدولية.
ويلخص أصحاب وجهة النظر الأولى رؤيتهم لهذا الحدث (زيارة وفد من حماس لموسكو) باعتباره مجرد جزء من مسرحية أمريكية يُراد فيها من روسيا أن تلعب دورها في الضغط على حركة حماس كي تغير الأخيرة من مواقفها المبدئية، وتحديداً لتتخلى عن سلاحها وأسلوبها في إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، ومن ثم الاعتراف بحقه
بالوجود. إذ تعتبر وجهة النظر هذه أن واشنطن وجدت بعدم إدراج موسكو لحركة حماس على قائمة المنظمات الإرهابية متنفساً يمكنها الاستفادة منه بأن تقوم موسكو ببدء حوار مع قادة الحركة لإقناعهم بقبول الشروط الأمريكية مقابل الاعتراف بهم كسلطة منتخبة للشعب الفلسطيني وفتح باب المفاوضات معهم بشأن التسوية.
ومن هنا فإن أصحاب هذه الرؤية يعتقدون بأن الدور الروسي سيعود إلى خموله السابق بعد أن تنفذ موسكو المهمة الموكلة إليها. وفي إطار تأكيدهم على أن العملية كلها مجرد تكليف أمريكي للدبلوماسية الروسية، يذكر هؤلاء إعلان وزير الدفاع الروسي عن تأجيل إرسال 50 عربة مصفحة إلى السلطة الفلسطينية كانت روسيا قد وعدت بها
محمود عباس، ومن ثم الاتصالات التي أجراها وزير الخارجية الروسية سرغيه لافروف بنظرائه ضمن اللجنة الرباعية لطمأنتهم بأن موسكو ستلتزم بما تم الاتفاق عليه في إطار اللجنة الرباعية من تفاهمات حول كيفية إدارة المحادثات مع مختلف الأطراف.
ورأى هؤلاء في هذين الموقفين دلالة على أن روسيا لا تسعى إلى لعب دور خارج عن إطار الرغبات الغربية، أو يتسبب بتوتر في العلاقات بينها وبين أوروبا والولايات المتحدة.
على النقيض من وجهة النظر أنفة الذكر يرى آخرون أن الواقعتين (اتصالات لافروف وتأجيل إرسال العربات الروسية) هي مجرد خطوات تهدئة قامت بها الدبلوماسية الروسية التي تسعى من خلال توجيه الدعوة إلى حماس نحو أهداف عدة، وفي مقدمتها تفعيل دور الوسيط الروسي في عملية التسوية بما يتناسب مع استحقاقات شعارات
القسم التي أطلقها بوتين وأكد فيها عزمه العمل من أجل استعادة النفوذ الدولي لبلاده.
ويبدو أن الرئيس الروسي قد وجد في مقاطعة المجتمع الدولي لحماس فرصة يمكن الاستفادة منها في محاولة لتحقيق جزء من أهداف سياسته. ويدرج أصحاب هذا الرأي عدة عوامل هامة قد تساعد روسيا على استعادة دورها.
بداية هناك التمسك الروسي بقرارات الشرعية الدولية والدعوات المتكررة التي تطلقها موسكو بضرورة احترام كل الدول لهذه القرارات، بما في ذلك خارطة الطريق التي تم تبينها في مجلس الأمن كمرجعية دولية لحل القضية الفلسطينية بمبادرة روسية، تسببت في ذلك الوقت بإعلان "إسرائيل" إبعادها للوسيط الروسي عن عملية التسوية وتأكيد تل أبيب أن "الحكم الأول والأخير في تنفيذ الأطراف لبنود خطة "خارطة الطريق" هي الولايات المتحدة" وبأنها لن تسمح "بتدخل أي قوى دولية أخرى في هذا الشأن".
ويعتبر المتفائلون في تقييمهم لدعوة حماس إلى موسكو، أن القيادة الروسية التي طالما أكدت رفضها لمبدأ (القطب الاوحد) في السياسة الدولية، لن تقبل ـ على الأغلب ـ بأن تحصد الولايات المتحدة نتائج محادثاتها مع قادة من حركة حماس، بل يُتوقع أن تعمل موسكو على إقناع ممثلي الحركة بإحداث بعض التغييرات في سياستهم، بما يساعد على فتح أبواب أوسع أمامهم للحوار مع المجتمع الأوروبي، كي تتمكن موسكو من حشد تأييد لصالح الاعتراف بحركة حماس كقوة سياسية تمثل الشعب الفلسطيني، ومنحها الحق في ممارسة كل المهام السلطوية، بما في ذلك التحكم بملف مفاوضات التسوية.
في الوقت نفسه يستبعد هؤلاء أن تضغط موسكو على قادة الحركة من أجل تخليهم الفوري وغير المشروط عن نقاط مبدئية مثل إيقاف النشاط المسلح والاعتراف بـ "دولة إسرائيل"، لأن نقاط مفصلية كهذه قد تكون موضوع مفاوضات بين الأطراف يكون لروسيا فيها دور مؤثر وهام، فهي (روسيا) قد تطالب قادة الكيان الصهيوني
الالتزام بما تنص عليه فقرات خارطة الطريق، والانسحاب من الأراضي الفلسطينية وإيقاف العنف، مقابل تخلي حماس عن العمل العسكري المسلح. ولا يمكن القول هنا أن روسيا ستتبنى المطالب الفلسطينية بذلك، بل هي تطالب بما نصت عليه فقرات خطة خارطة الطريق، وما سبقها من قرارات صادرة عن مجلس الأمن بخصوص الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، وإيقاف العمل ببناء جدار الفصل العنصري، والتوسع الاستيطاني وغيرها من قرارات لم تلتزم "إسرائيل" بأي منها.
أخيراً فإن أصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون أن تمسك روسيا بالشرعية الدولية سيكون خطوة لها نتائجها الاستراتيجية على استعادة الدور الروسي، وعلى السلام في منطقة الشرق الأوسط بآن واحد. أما تبني الشروط الأمريكية واقتصار الدور الروسي في تشكيل أداة ضغط على الحركة فإنه سيؤدي إلى إلغاء بقايا الدور الروسي في حل النزاعات الدولية والإقليمية، والأهم أنه سيساعد الولايات المتحدة على ترسيخ تفردها الذي يطال اليوم حتى المصالح الروسية في الجوار الجغرافي للدولة الروسية!
(*)كاتب صحافي مختص بالشؤون الروسية
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018