ارشيف من : 2005-2008

تأخير تشكيل الحكومة العراقية:أي دور لواشنطن؟

تأخير تشكيل الحكومة العراقية:أي دور لواشنطن؟

بغداد ـ عادل الجبوري‏

لعل من بين أبرز ما يلاحظه بوضوح المتابع لمسارات المفاوضات والمباحثات الماراتونية بين الأطراف السياسية العراقية المختلفة بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، الدور الأميركي اللافت من خلال السفير زلماي خليل زاد.‏

ومن دلالات ومؤشرات ذلك الحضور اللافت الذي توقف عنده الكثيرون، المؤتمر الصحافي المشترك للرئيس العراقي جلال طالباني والسفير الأميركي خليل زاد في نفس اليوم الذي أعلنت كتلة الائتلاف العراقي الموحد عن اسم مرشحها (إبراهيم الجعفري) لرئاسة الحكومة المقبلة، والذي بدا فيه الرئيس الطالباني منفعلا عندما أعرب بوضوح عن رفض التحالف الكردستاني أي خطوط حمر على مشاركة القائمة العراقية الوطنية بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، بينما كانت الابتسامة بادية على محيا السفير زاد المطلع على كل تجاذبات وتعقيدات الوضع السياسي العراقي منذ أن كلفه الرئيس جورج بوش بالإشراف على الملف العراقي في صيف عام 2002.‏

والمؤشر الآخر هو التصريحات التي أدلى بها زاد منتصف هذا الأسبوع، وحذر فيها من تشكيل حكومة طائفية في العراق، وشدد على ضرورة أن توكل وزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطني ومستشارية الأمن القومي الى أشخاص غير طائفيين.. في الوقت ذاته الذي أعرب فيه عن عدم قلقه من تأخر تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأنه يرى في التأخير عاملا مساعدا على تحسن الأوضاع العامة في العراق.‏

وما ينبغي الاشارة اليه هنا هو ان التصريح الأخير للسفير الأميركي في واقع الأمر يعد استمرارا لسلسلة من التصريحات المتواصلة حول العملية السياسية في العراق تجاوزت تبيان الموقف الأميركي، بل إنها تعدته الى الحديث عما ينبغي على الزعماء والقادة العراقيين فعله.. ولعل ذلك كان واضحا في مقالته (المخطط السياسي للعراق) التي أشرنا اليها الأسبوع الماضي.‏

ولم يخف عدد من الساسة العراقيين وخصوصا في قائمة الائتلاف العراقي الموحد بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، تذمرهم واستياءهم من الطريقة التي يتعاطى بها السفير الأميركي مع العملية السياسية، وبالتحديد ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة. وفي هذا السياق نفى عضو قائمة الائتلاف عباس البياتي بشدة ما ذكرته بعض وسائل الإعلام بشأن مشاركة زلماي خليل زاد في الاجتماعات الثنائية بين الائتلاف والتحالف الكردستاني، مشيرا الى ان زاد كان يحضر المفاوضات بين القائمة العراقية وقائمة التحالف وقائمة جبهة التوافق العراقية.‏

ويبدو ان الدور الأميركي حاليا يتمحور حول توجيه أكبر قدر من الضغط على كتلة الائتلاف العراقي الموحد للتنازل عن جزء من مطاليبها التي تعدها ثوابت لا يمكن بأي حال من الأحوال التهاون فيها، مثل قانون اجتثاث البعث وتشكيل الحكومة المقبلة وفق الاستحقاق الانتخابي لا استنادا الى التوافقات السياسية، هذا اضافة الى الموقف من الفكرة الأميركية القائلة بتشكيل مجلس أمن وطني يضم أعضاء مجلس رئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء ونائبيه ورئيس مجلس النواب وزعماء الكتل البرلمانية، ويكون لذلك المجلس دور في صنع واتخاذ القرار السياسي.‏

ولا شك في ان المساعي الأميركية المتساوقة مع مساعي المجلس السياسي المشترك (القائمة العراقية وجبهة التوافق وجبهة الحوار الوطني) لانتزاع وزارة الداخلية من الائتلاف العراقي الموحد تأتي في هذا السياق، والخطاب المستخدم من قبل السفير زاد بهذا الخصوص يتناغم الى حد كبير مع خطاب كبار السياسيين في القوائم الثلاث المشار اليها.‏

وجاءت المعلومات التي كشف عنها الجنرال الأميركي دوغلاس بيترسون المشرف على تدريب الشرطة العراقية لتشكل عنصر ضغط آخر وورقة سياسية جديدة، فالجنرال المذكور أشار قبل أيام قلائل الى ما يسمى بـ"فرق الموت" التي قال إنها تتألف من عناصر تابعين لأجهزة وزارة الداخلية تتولى تنفيذ عمليات اغتيال شخصيات وعناصر من أبناء الطائفة السنية.‏

ويرى سياسيون ان زوبعة "فرق الموت" لا تختلف من حيث سياقاتها والأهداف الكامنة وراءها عن زوبعة ملجأ الجادرية وزوابع سياسية أخرى سابقة لها، في وقت يشهد الشارع العراقي يوميا سقوط العشرات ـ ان لم يكن المئات من الأبرياء ـ جراء العمليات الإرهابية المتمثلة بتفجير العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والاغتيالات دون ان تلقي واشنطن وقوى سياسية عراقية بالاً لذلك، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب ولا من بعيد.‏

ومن خلال التوقف عند نقاط الاختلاف بين قائمة الائتلاف العراقي وقائمة جبهة التوافق العراقية، وإلى حد ما قائمة التحالف الكردستاني ومقاربتها مع طبيعة الأطروحات الأميركية، يمكن ان تتبين بعض من ملامح ومعالم الدور الاميركي في السعي لدفع مسارات الأمور باتجاهات معينة.‏

فنقاط الاختلاف بين الائتلاف والتوافق تتمحور حول موضوع فيدرالية الأقاليم، وتحديدا إقليم الوسط والجنوب الذي يدعو إليه بقوة زعيم كتلة الائتلاف السيد عبد العزيز الحكيم، وقضية ما يسمى بـ"المقاومة"، اضافة الى تعديل بعض فقرات الدستور.‏

في حين أن نقاط الاختلاف بين الائتلاف والتحالف تتمحور حول مشاركة قائمة العراقية برئاسة إياد علاوي الذي تتحفظ أطراف في داخل الائتلاف ـ مثل التيار الصدري ـ عليه بشدة، وآلية اتخاذ القرارات في الحكومة، ومسألة عمل بعض الهئيات مثل هيئة اجتثاث البعث وهيئة النزاهة العامة، ومسألة تشكيل مجلس الأمن الوطني.‏

ومن الواضح ان واشنطن تلح على تشكيل هذا الأخير بصلاحيات واسعة تتجاوز الطبيعة الاستشارية، ولها رؤية معينة للمقاومة، وتسعى الى اتباع الطرائق والوسائل الدبلوماسية والسلمية في التعاطي مع عناوينها وشخوصها، وهي بالفعل شرعت بفتح قنوات للحوار والتفاوض مع البعض منها.‏

المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني الذي يعد راعي العملية السياسية في العراق شدد خلال لقائه منتصف الأسبوع الجاري المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة الدكتور إبراهيم الجعفري، على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة وحث على مراعاة معايير الكفاءة العالية والنزاهة والشفافية في التعيينات بمناصبها".‏

رؤية السيد السيستاني التي جاءت واضحة وجلية بما فيه الكفاية، عكست الاتجاه العام لكل التيارات والقوى السياسية العراقية الداخلة في العملية السياسية.‏

وفي الوقت الذي تذهب فيه معظم المؤشرات الى ان استكمال تشكيل الحكومة قد يتأخر أكثر مما هو متوقع، فإن خيار الحلول التوافقية بشأن القضايا نقاط الاختلاف يبقى هو الخيار الأنجع والأسلم للجميع، مع تأكيد أكثر من مصدر في الائتلاف العراقي الموحد التمسك بالموقف من قضايا محددة من قبيل اجتثاث البعث، وعدم تعديل الدستور، والطبيعة الاستشارية لمجلس الأمن الوطني المفترض، والاحتكام بالدرجة الأساس الى الاستحقاق الانتخابي، ومن ثم البحث في الاستحقاق التوافقي "الوطني".‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1150 ـ 24 شباط/فبراير 2006‏

2006-10-30