ارشيف من : 2005-2008
الفوضى لأوكرانيا بديل أمريكي عن أوكرانيا موالية لروسيا
قبل أيام قليلية من بدء الانتخابات البرلمانية في أوكرانيا دوى انفجار في مدينة خاركوف بالقرب من مكتب حزب الأقاليم (ريغيونف) الأوكراني ، الذي يتزعمه فيكتور ينكوفتش الخصم الأقوى للبرتقاليين في أوكرانيا. وجاء هذا الحادث في وقت انشدت فيه الأنظار نحو العاصمة البيلاروسية مينسك التي توقع لها أكثر من مصدر أعمال عنف وتفجيرات قد تترافق مع فترة الانتخابات الرئاسية. وحسب المصادر الرسمية البيلاروسية فإن البعض من العاملين في منظمة الشراكة (بورتنيورستفو) غير الحكومية، التي تتلقى الدعم من معاهد أمريكية تعمل في مجال نشر الديموقراطية، كانوا قد أعدوا العدة لخلق حالة من الفوضى في بيلاروسيا، تترافق مع أعمال تفجير بين الحشود المتظاهرة، وتحميل السلطات الرسمية المسؤولية عن هذه الأعمال، بهدف استفزاز الجماهير وجرها إلى الشارع على أمل إحداث (ثورة ملونة) هناك ضد الرئيس لوكاشينكو.
الآن وبعد مرور عدة أيام على إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا، وعلى الرغم من وجود عدد من المتظاهرين في الساحة الرئيسية للعاصمة مينسك، يمكن القول بأن بيلاروسيا قد تجاوزت على الأغلب مرحلة الخطر، فالمتظاهرين لا يزيدون عن المئات والأغلبية من الناخبين في بيلاروسيا يرفضون قبول الديموقراطية التي تريدها لهم واشنطن.
أما أوكرانيا، وإن كان المشهد السياسي فيها يوحي بهدوء، فإن البعض يتوقع أن يتغير الوضع هناك نحو التوتر الذي قد يتحول إلى مواجهة بين مختلف القوى السياسية الفاعلة لا يستبعد أن ينتقل إلى مواجهة في الشارع بين المتظاهرين المؤيدين لهذه القوى.
الجدير بالذكر أن أوكرانيا كادت أن تنقسم إلى شرق وغرب أثناء (الثورة البرتقالية) منذ عام وأكثر، فالأغلبية في شرق البلاد يؤيدون تيار ينكوفيتش المنادي بضرورة الحفاظ على علاقات طيبة مع روسيا، بينما يؤيد الأغلبية في غرب البلاد تيار يوشينكو (البرتقالي) المنادي بانضمام أوكرانيا إلى الغرب (الناتو والاتحاد الأوروبي). في تلك المرحلة تجاوزت أوكرانيا خطر الانقسام لأن القوى الإقليمية والدولية أدركت خطورة الوضع وعملت على التوصل إلى حل يرضي الجميع ويبعد أوكرانيا عن شبح الفوضى والانقسام. أما الآن فإن الوضع مختلف كلياً، فأغلبية استطلاعات الرأي تشير إلى فوز سيحققه التيار الموالي لروسيا، مقابل أقلية سيحصل عليها التيار (البرتقالي) ممثلاً بالرئيس الحالي يوشينكو ورئيسة الحكومة الأوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو.
ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة لن تكون راضية عن فوز تيار ينكوفيتش برئاسة الحكومة، لأن هذا سيعني خسارتها لمعركة عزل أوكرانيا عن روسيا. في الوقت نفسه فإن القوى الغربية أصبحت اليوم عاجزة عن التأثير على الرأي العام الأوكراني بحجة نشر الديموقراطية والتخلص من النفوذ الروسي، لأن الرئيس الحالي يوشينكو المدعوم من الغرب لم يتمكن من تحسين أوضاع المواطن المعيشية، وعوضاً عن تخليص أوكرانيا من أوضاعها الاقتصادية الحرجة، جرها نحو أزمة اقتصادية حادة نتيجة تبنيه نهج المواجهة ضد موسكو، وحاول – ومعه نظيره الجورجي ساكاشفيلي زعيم الثورة المخملية في جورجيا- أن يلعب دور القوة الإقليمية المنافسة لروسيا، والتي تلعب دوراً في خدمة السياسة الأمريكية في الفضاء السوفييتي السابق.
من خلال نظرة إلى الأوضاع في أوكرانيا اليوم يمكن التأكيد أن (القيادة البرتقالية) قد فشلت في تحقيق أي هدف من أهدافها، لأنها ركزت على خدمة واشنطن، متجاهلة الانعكاسات السلبية لهذه السياسة على الوضع الاقتصادي داخل أوكرانيا، فخسرت شعبيتها، وهي اليوم عاجزة عن تحقيق نصر في الانتخابات يضمن لها السلطة، ويضمن لواشنطن بقاء نظام حليف لها على حدود روسيا الجغرافية. ويُستبعد أن تقبل الإدارة الأمريكية بهذه النتيجة. فهي عازمة على تشكيل طوق موال لها على الحدود مع روسيا.
وكانت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز 20/3/2006) قد أشارت إلى أن مجموعة ديك تشيني تدعو إلى تبني سياسة أكثر حزماً نحو روسيا على شكل حرب باردة مصغرة. وأشارت الصحيفة إلى أنه وحسب ما تتناقله وسائل الإعلام فإن هذه المجموعة تنادي (بإقامة تحالفات عسكرية في محيط روسيا معادية لها، وتقديم الدعم علناً للقوى السياسية المعارضة لبوتين في داخل روسيا). ولما كان فوز تيار رئيس الحكومة الأسبق فيكتور ينكوفيتش يتعارض مع هذه الرغبات والمخططات الأمريكية، فإن تحويل أوكرانيا إلى بؤرة توتر بالقرب من روسيا، وفي قلب أوروبا الشرقية، من خلال العمل على خلق شرخ بين شقيها الغربي والشرقي، قد يكون المخرج الوحيد أمام إدارة بوش من هذا الوضع.
إنه ضرب من الحماقة السياسية أن يعتقد البعض،وفي أوروبا تحديداً، أن واشنطن ليست مهتمة بخلق بؤرة توتر تؤثر سلباً على الشركاء الأوربيين في الناتو، فهاجس واشنطن الرئيسي هو إيجاد ذرائع ومبررات لتدخلها بشؤون الغير بما يخدم مصالحها، ويحمي لها احتكارها للقب القوة الدولية الأعظم. وفي هذا السياق فهي لن توفر الوسائل من أجل تهديد الاستقرار الأمني بالقرب من روسيا. ومن هنا قد تجد إدارة بوش في أوكرانيا المتوترة بديلاً مناسباً عن أوكرانيا الموالية لروسيا، في ظل عجز المعسكر البرتقالي الموالي للغرب عن تحقيق فوز انتخابي يبقيه في السلطة. فهل كان التفجير بالقرب من مقر حزب الأقاليم في مدينة خاركوف الأوكرانية، التي منحت مؤخراً اللغة الروسية صفة اللغة الرسمية، بداية سيناريو جديد لأوكرانيا يختلف عن سابقه من حيث الجوهر السلمي للأول، والدموي للثاني، لكنهما متطابقان لأن كلاهما يصب في خدمة الغطرسة الأمريكية؟
طه عبد الواحد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018