ارشيف من : 2005-2008

صراع بين البنك الدولي والتشاد على الملف النفطي

صراع بين البنك الدولي والتشاد على الملف النفطي

كتب توفيق المديني‏

بفضل التعاون الوثيق بين البنك الدولي والعاصمة التشادية نجامينا، أصبح بإمكان الشعب التشادي أن يستفيد من العائدات النفطية. وتحتوي التشاد على احتياطات نفطية تقدر بنحو 1مليار برميل، ويمكن أن يوفر حقل دوبا و الـ300 بئر المنتشرة في منطقة لوغون، فرصة تاريخية لإخراج هذا البلد الإفريقي من وحل الفقر.‏

في احتفال أقيم يوم 10 تشرين الاول /أكتوبر من عام 2003، فتح الرئيس التشادي إدريس ديبي، حنفية النفط، التي ستنقل هذا الذهب الأسود عبر أنبوب طوله 1000 كيلومترا إلى المصب الأخير في ميناء كريبي بالكاميرون ، إذ كانت كل أمال أمة معقودة على هذه المناطق الرملية الشاسعة من جنوب البلاد. وبعد مرور أقل من ثلاث سنوات، أصيبت تلك الآمال بخيبة كبيرة. وكان يمكن تفادي العودة إلى هذا الإخفاق المتوقع.‏

في بداية عقد التسعينيات، كان الكونسورتيوم الدولي المتشكل من الشركتين الأمريكيتين إيكسون موبيل (تملك حصة بنحو 40%) وشيفرون(25%)، و كذلك الشركة الماليزية بتروناس (35%)، هو في حالة مفاضات مع النظام الجديد بقيادة إدريس ديبي.فالأرباح المنتظرة هي ضخمة، بيد أن المفاوضات توقفت بسبب التكاليف الفاحشة للمشروع : مايقارب 4 مليارات دولار.3،7 مليار دولار(2000-2003)، أي بزيادة عن التكلفة الأولية المقدرة بنحو (3،5 مليار دولار)، منها 1،5 مليار دولار لإستغلال الحقول النفطية ، و2،2 مليار دولار لمد الأنبوب دوبا ـ كريبي(الكاميرون) بطول 1076 كيلومتر. إنه الإستثمار الخاص الأكبر في إفريقيا.‏

أما عملية تمويله، فتوزعت على النحو التالي: 97% من قبل الكونسورتيوم النفطي، و3% من البنك الدولي والبنك الأوروبي للإستثمار( ولقد سمحت هذه الحصة الصغيرة للتشاد و الكاميرون بتمويل مشاركتهم في الرأسمال الاجتماعي للشركتين المالكتين للأنبوب،التوكتو- القسم التشادي 196 كيلومتر، و الكوتكو- القسم الكاميروني 880 كيلومتر).‏

وقد مول الكونسورتيوم مشاركته من أمواله الخاصة بنحو 60% ، و عن طريق القروض بنحو 37%.‏

ورفضت البنوك التجارية منح قروض، مبررة ذلك بعدم المجازفة كثيرا في بلد غير مستقر.و من أجل إنقاذ القضية ، دقت نجامينا ومعها النفطيون أبواب البنك الدولي. ومنذ ذلك الوقت أصبحوا يعتمدون على دعم باريس، التي على الرغم من أن الشركات الفرنسية ليست منخرطة، فإنها تعتبر أن هذا المشروع حيوي لمستقبل تشاد. بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدافع بشراسة عن مصالح الكونسورتيوم. ويتذكر السيد سيرجي مايكايلوف، مدير البنك الدولي السابق في إفريقيا الوسطى، موقف الخزينة الأمريكية، الذي كان مترددا في البداية،و الذي ساند المشروع ، بعد أن وضع شروطا لعملية استخدام الأموال.‏

وكانت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان متشائمة من الإرادة الحقيقية للسلطة لجهة الاستخدام الصحيح للأموال، ولكن البنك الدولي قرر في الأخير الرهان على التنمية بفضل عائدات النفط.وقدم كفالته للمشروع والـ400 مليون دولار الذين تنقصه. وهناك ابتهاج في مكاتب واشنطن، من فكرة أن عائدات النفط سيستفيد منها العدد الأكبر من السكان التشاديين، بدلا من أن تذهب إلى الحسابات السرية في سويسرا.‏

وكبادرة حسن النية أقرت السلطات التشادية في عام 1999 قانون 001 ، الذي يحدد بدقة أبواب توزيع الريع النفطي. وطبقا للقانون الذي اعتمده التشاد، و هو الأول من نوعه، توضع 10% من المداخيل المتأتية من النفط في حساب "للأجيال القادمة"، أما ال80% المتبقية فهي توزع على القطاعات ذات الأولوية ـ مثل الصحة، و التعليم، وإيصال الماء الصالح للشرب، والتنمية الريفية ـ بينما يذهب 15% من الريع النفطي إلى الدولة لتصريف شؤونها، و5% للمنطقة المنتجة للنفط.‏

إضافة إلى ذلك، تم تشكيل هيئة مراقبة لمصادر الريع النفطي، بعد طول مناوشات مع السلطة، وهي تضم في صفوفها ممثلين عن المجتمع المدني.‏

وبلغت العائدات المتأتية من مبيعات النفط التشادي الأرقام التالية: في عام 2003: 8،6 مليون برميلا بسعروسطي 27،5 دولار، أي ما يعادل 236 مليون دولار. وفي عام 2004، 61،3 مليون برميلا بسعروسطي 28،80 دولار، أي ما يعادل 1،77 مليار دولار. وفي عام 2005: 63،5 مليون برميلا، بسعر وسطي 35،40 دولار، أي ما يعادل 2،25 مليار دولار. وبذلك بلغ مجموع العائدات النفطية 4،26 مليار دولار. بزيادة أكثر من التكلفة الإجمالية للمشروع.‏

و من أكتوبر2003 و لغاية كانون الاول:ديسمبر 2005، حصل التشاد على 12،5% من العائدات الإجمالية لمبيعات النفط ، أي ما يعادل 399 مليون دولار، منهم 307 مليون دولار تم تحويلهم إلى البلاد. و تم توزيعهم على النحو التالي: الصندوق المخصص للأجيال القادمة : حصلت الحكومة التشادية مع بداية يناير 2006، على مبلغ بنحو 36،2 مليون دولار.‏

الصندوق المخصص للقطاعات التي تحظى بالأولوية: 245،6 مليون دولار.‏

الصندوق المخصص للمناطق الإنتاجية: 15،3 مليون دولار. والموازنة العامة للدولة 46 مليون دولار.‏

من المنظور التشادي، هذا التوزيع للعائدات النفطية ، لم يسمح للحكومة التشادية أن تكافح الفقر بصورة فعلية.و هنا يتوجب مراجعة القانون لتعزيز قدرات الموازنة بوجه خاص ، وتحسين الوضع المالي للبلاد، حسب تقدير تيدجاني ثيام المستشار النفطي للرئيس إدريس ديبي.‏

وانطلاقا من هذا الواقع، ألغت الجمعية الوطنية التشادية يوم 29 كانون الاول/ ديسمبر الماضي، الصندوق المخصص للأجيال القادمة، أضافت الأمن إلى القطاعات التي تحظى بالأولوية، وزادت في الحصة المخصصة للأموال العامةمن 15% إلى 30%. ففجر هذا القرار الموقف.‏

ومنذ حينئذ ألغى البنك الدولي مجمل برامجه في التشاد، أي ما يعادل 124 مليون دولار. وفوق ذلك ، تم تجميد مبلغ بنحو 24 مليون دولار في لندن. و تعتبر هذه الضربة موجعة لدولة نصف مواردها للموازنة تأتي من النفط.‏

وقال رئيس البنك الدولي بول ولووفيتز، الذي يعتبر من أنصار استخدام الطريقة القوية، والذي وضع ولايته تحت شعار مكافحة الفساد:"لدينا اتفاق، وهذا الاتفاق تم ألغاؤه. وفي حال أخل أحد الطرفين ، هناك بند يقر التجميد الأوتوماتيكي للحسابات".‏

ومع ذلك، لم يتم إلغاء المفاوضات بين الجانبين. وقد رفع الرئيس ادريس ديبي صوته عاليا أمام هذا الإجراء الفظ من جانب صندوق النقد الدولي قائلا":إن تشاد غيورة على سيادتها". ودخلت باريس على الخط، محاولة التوسط ، لتقريب وجهتي النظر، لأن عزل التشاد يعتبر عملا سيئا من وجهة نظرها. وتظل نجامينا متصلبة حول إرادة التصرف "بسيادة" في عائداتها النفطية ، وتقدر أنها بحاجة إلى 240 مليون دولار لنفقاتها الأمنية على مدى الأربع السنوات المقبلة (2006-2010). ومن جانبه، ظل ولووفيتس حاسما لجهة اشتراطه إرسال لجنة من البنك الدولي تدقق في حسابات البلاد.‏

لاشك ، أن سبب الأزمة يكمن في عقد الامتياز الموقع مع الكونسورتيوم النفطي، الذي تحصل بموجبه نجامينا على 12،5%فقط من مبيعات النفط، ويدخل توزيع النفقات ضمن هذه النسبة.وإذا أضفنا الضرائب، والرسوم و أرباح الأسهم ، فإن الحكومة تقبض 50% من الأرباح المتأتية من دوبا، حسب تقديرات شركة إيكسون.وهو تقدير من المستحيل التأكد من صحته.‏

وترى الحكومة التشادية أنها لا تقبض سوى العائدات المتأتية من مبيعات النفط، وهي غير قادرة أن تلاحق تسويق وتجارة النفط الخام متى وصل إلى ميناء كريبي. والحال هذه، فهي تطالب بإعادة التفاوض من جديد بشان العقد النفطي.‏

2006-10-30