ارشيف من : 2005-2008

مجزرة حسينية المصطفى(ص): جريمة أميركية جديدة

مجزرة حسينية المصطفى(ص): جريمة أميركية جديدة

بغداد ـ عادل الجبوري‏

نقلت معظم وسائل الاعلام العراقية والعربية، وربما الغربية ايضا عن ان وفد مجلس الشيوخ الاميركي الذي زار العراق مؤخرا برئاسة السيناتور جون ماكين ابلغ الزعماء العراقيين بأن صبر الولايات المتحدة اخذ ينفذ وان عليهم الاسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية.‏

وفي ذات الوقت تقريبا اطلق السفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد تصريحات استفزازية قال فيها "ان العراقيين الذين يقتلون يوميا جراء عنف الميليشيات المسلحة اكثر من ضحايا الارهاب، وان الحكومة ستواجه مهمة صعبة في احتواء تمرد العرب السنة بينما تتعامل مع الميليشيات التي انتشرت منذ سقوط صدام حسين في عام 2003 ".‏

بعبارة اخرى ان النغمة الاميركية الجديدة راحت تحمل السياسيين العراقيين مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، وكأن واشنطن بعيدة او غير معنية بما يشهده العراق من تداعيات خطيرة، علما ان زلماي خليل زاد كان قد صرح قبل عدة اسابيع ردا على الداعين الى الاسراع بتشكيل الحكومة بما معناه ان تأخر تشكيلها افضل من تشكيلها على عجل وبطريقة غير متوازنة ولا مدروسة.‏

ولم يمر سوى وقت قصير جدا على زيارة وفد مجلس الشيوخ الاميركي لبغداد وتصريحات السفير خليل زاد، حتى فجرت قوات الاحتلال ازمة خطيرة عندما اقتحمت تشكيلات منها مع قوات عراقية "مجهولة" حسينية المصطفى الواقعة في حي اور شمال شرقي العاصمة بغداد، مساء يوم الاحد الماضي (26-3-2006) وقتلت حوالي عشرين شخصا بعضهم كانوا من المصلين، وبعضهم الاخر من منتسبي حزب الدعوة الاسلامية – تنظيم العراق والذين كانوا متواجدين في مقر الحزب المجاور للحسينية.‏

ولعل ردود الفعل العنيفة والحادة على ما قامت به القوات الاميركية كانت كافية للوقوف على حجم الازمة وعمقها وخطورتها، حيث رأى بعض السياسيين انه اذا لم تسارع واشنطن الى احتوائها ومعالجتها بطريقة عقلانية ومقبولة فأنها ستدفع بالامور الى منزلقات خطيرة جدا، وعند ذاك سيصل المشروع الاميركي في العراق الى طريق مسدود.‏

ويبدو من خلال المؤشرات الاولية ان التصعيد الاميركي القديم ـ الجديد الذي بدا استفزازيا للغاية سيؤدي الى مزيد من التعثر في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وبالتالي وضع الفرقاء السياسيين العراقيين في موقف حرج يحتم عليهم اعادة حساباتهم السياسية في التعاطي مع الولايات المتحدة الاميركية.‏

وفي الوقت الذي تبنى الائتلاف العراقي الموحد( الكتلة البرلمانية الاكبر في مجلس النواب) موقفا حادا ومتشددا عبر عنه في مؤتمر صحفي عقده عدد من اعضاء الائتلاف عصر يوم الاثنين الماضي بمقر رئيس الكتلة، فأن رئيس الجمهورية نحى منحى اخر تقريبا باتجاه التهدئة ومحاولة احتواء الموقف عبر الوسائل الدبلوماسية، وذلك حينما اوعز بتشكيل لجنة عراقية-اميركية تحت اشرافه للوقوف على حقيقة ما جرى في حسينية المصطفى وخلفياته ومحاسبة المسؤولين عنه.‏

وقد حمل الائتلاف العراقي الموحد في بيانه الرسمي الذي تلاه القيادي البارز في حزب الدعوة الاسلامية نوري المالكي بشدة على قوات الاحتلال الاميركي واعتبرها مسؤولة عن الانحدار في الوضع الامني والسياسي في البلاد، وتضمن المؤتمر الصحفي للائتلاف توجيه انتقادات حادة ولاذعة للسفير الاميركي زلماي خليل زاد.‏

وموقف الائتلاف العراقي هذا جاء منسجما ومتساوقا مع طبيعة ومستوى ردود الفعل الشعبية الغاضبة. ولم تفلح الرواية الاميركية للحادث والمبررات المطروحة من قبل قوات الاحتلال في امتصاص زخم ردود الفعل الغاضبة ضد واشنطن، ان لم تكن اتت بنتائج معاكسة، بعد ان تحدث شهود عيان عما شاهدوه وسمعوه. هذا في الوقت الذي ذهبت بعض التحليلات والتفسيرات الى القول بأن عدم علم وزارة الداخلية ولا التنسيق معها، واختيار وقت الصلاة ، ومجيء عناصر ترتدي زي قوات الحرس الوطني وتعمدت الامعان في التجاوز وانتهاك حرمة المكان والناس المتواجدين فيه يوحي بأن العملية اما مقصود منها زيادة حدة الاحتقان في الشارع العراقي وعرقلة وتعطيل العملية السياسية انطلاقا من حسابات اميركية خاصة، او ان مجمل العملية نفذت على اساس معلومات كيدية مغلوطة بعيدة كل البعد عن الحقيقة من جهات معينة لها اجنداتها الخاصة.‏

وطبيعي ان الموقف الحازم لكتلة الائتلاف العراقي الموحد ينطوي على ابعاد ايجابية لا بد ان تدفع واشنطن الى اعادة النظر في تعاطيها مع الشأن العراقي، لاسيما بعد ان اخذت الدعوات تتصاعد والاصوات تتعالى من هنا وهناك لطرد السفير الاميركي من العراق والى تقديم الرئيس الاميركي اعتذاراً للشعب العراقي جراء ما حصل في حسينية المصطفى وجراء كل ما تسببت فيه قوات الاحتلال من ازهاق لارواح الكثير من العراقيين الابرياء والحاق الضرر المادي او المعنوي بأعداد اخرى منهم.‏

وفي سياق ذلك فإن هناك من رأى انه لا بد من الاخذ بعين الاعتبار ان الاستمرار بالتصعيد قد يتيح لاطراف تسعى الى عرقلة العملية السياسية وادخال البلاد في نفق مظلم الى تحقيق جانب من اهدافها، في نفس الوقت الذي قد يخلق مثل ذلك الوضع مزيدا من المبررات والذرائع لقوات الاحتلال للجوء الى وسائل واساليب عنفية بدرجة اكبر في تعاملها مع الشارع العراقي.‏

وموازنة الموقف جاءت من خلال مبادرة الرئيس الطالباني بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات الحادث.‏

ويبدو من المستبعد جدا ان تتكشف كل التفاصيل والجزئيات وتعلن على الملأ، وفقا لاعتبارات عديدة من بينها – ان لم يكن ابرزهاـ مواصلة استكمال وانجاز الخطوات الاخرى المتبقية من العملية السياسية، وتحديدا تشكيل الحكومة التي ادى تأخرها والتجاذبات والتقاطعات المرتبطة بها الى طغيان اجواء ومناخات الاحباط والتذمر والقلق لدى مختلف اوساط الشارع العراقي، وزاد من حدتها تدني الاداء الحكومي على صعيدي الامن والخدمات الى مستويات خطيرة ومقلقة. وفقا لذلك فأن التحرك وفق كل الخيارات يبقى امرا ضروريا بحسب عضو في كتلة الائتلاف العراقي الموحد.‏

والملفت ان حادثة حسينية المصطفى جاءت متزامنة مع انفراج او مؤشرات انفراج في حالة الاحتقان السياسي بين فرقاء الساحة العراقية بعد الاعلان عن الصيغة النهائية للمجلس السياسي للامن الوطني ودخول مفاوضات تشكيل الحكومة وحسم المناصب الرئاسية الثلاثة مرحلة متقدمة، وهذا التزامن يوحي بأشياء كثيرة علما انه ليس الاول من نوعه، ولن يكون الاخير على الارجح.‏

وابسط ما تسببت به الحادثة هو تعطيل العملية السياسية لبعض الوقت، وهو عكس ما يدعي الاميركون انهم يسعون اليه، لكنه بنفس الاتجاه الذي يتحركون فيه واطراف اخرى على الارض .. وهذا بحد ذاته يفتح الباب واسعا لتساؤلات حساسة وخطيرة عن اخطاء السياسة الاميركية في العراق سواء كانت مقصودة او غير مقصودة والتي لم يبق سياسي عراقي الا وتحدث عنها وعن اثارها ونتائجها الكارثية على العراق والعراقيين ما قبل الاطاحة بنظام صدام وما بعده ايضا.!‏

2006-10-30