ارشيف من : 2005-2008
طلاب فرنسا يثورون ضدّ "عقد العمل الأول "
كتب توفيق المديني
تظاهر أكثر من مليون شخص من الموظفين وطلاب الجامعات وتلامذة الثانويات في مختلف انحاء فرنسا في 18 آذار/مارس الجاري، في استعراض قوة جديد ضد القانون حول "عقد العمل الاول" الخاص بالشباب، الذي يسمح للشركات بطرد العمال الشباب من العمل خلال عامين من عقد الخدمة الاول من دون إعطاء اي سبب. وتجمهرت حشود من طلاب الجامعات والثانويات الفرنسية في مدن فرنسية عدة ، مرسيليا وغرونوبل ورين وبوردو، و لو هافر، وفي رين، للتعبير عن احتجاجهم على قانون جديد للعمل ،وقرعوا الطبول وحملوا لافتات تنتقد "عقد الرقيق"، فيما فرضت اجراءات امنية مشددة حول المتظاهرين خوفا من وقوع اعمال عنف على غرار تلك التي وقعت مطلع الاسبوع الماضي في محيط جامعة السوربون. وتوقفت الدراسة في عشرات الثانويات في انحاء البلاد، وتأثر ثلثا الجامعات الفرنسية الـ84 بالتحركات المناهضة لقانون عقد اول فرصة عمل.
وعلى الرغم من أن فرنسا شهدت في خريف 2005 ثورة شباب الضواحي الذين لم يكملوا دراساتهم الجامعية ، فإنه اليوم، و من خلال المظاهرات ضد عقد العمل الأول، نجد أن الطلاب الذين يتمتعون بمستوى تعليمي أرقى هم الذين يعبرون عن خوفهم من نظام التوظيف الجديد. وفي خريف العام الماضي، وعبر "ثورة الضواحي"، كان الشباب الذين هم في أسفل سلم الشهادات هم الذين تظاهروا للتعبير عن أوضاعهم السيئة ، ورغبتهم في الاندماج بكرامتهم الإنسانية.
وخلف هذه اللوحة الاجتماعية القاتمة، يرتسم قلق وجودي، يشاطره الأهل، بشأن دخول أبنائهم إلى عالم الرشد. والحال هذه، الجميع في مأزق:الوضع الحالي غير مقبول في ظل ارتفاع معدل البطالة، و رفض الشباب الإصلاحات الواحدة تلو الأخرى المقدمة من قبل السياسيين ، في إطار ردة فعل للحماية أو الدفاع .
من الناحية التاريخية ، كانت الطبقة السياسية الفرنسية متخوفة من الشباب، لأن لهم ردات فعل غيرمنظورة. اليوم ، هناك ثلث أو نصف الجامعات الفرنسية مصابة: هناك فئات من الشباب يتوجب عليها أن تكون متيقظة لما يجري، وهناك فئات أخرى يمكن لها أن تلتحق بمناهضة الحكومة.
ومنذ عدة سنوات يعم الغضب أوساط الفرنسيين، كما تظهر ذلك التصويتات العقابية العديدة: في 22 نيسان/ أبريل 2002مع وجود جان ماري لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ، والانتخابات المحلية، والاستفتاء على الدستور الأوروبي.
و الشباب أيضا يترجمون حقدهم على هذه الأوضاع:إنهم يمتنعون عن التصويت اكثر من غيرهم، عندما يصوتون، لا يترددون في معاقبة الحكومات، كما هو الحال في عام 2002، عندما حصل السيدان شيراك وجوسبان في أوساط الشباب التي تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 24 عاما ، على النسبة عينها التي حصل عليها جان ماري لوبان (13%)أو الأحزاب اليسارية المتطرفة أيضا (13%).
في ظل المظاهرات المتصاعدة في الشوارع بشأن قانون "عقد التوظيف الأول" الجديد، هناك شعور في فرنسا أننا بصدد إعادة عرض الفيلم الذي مثل، والذي يعاد تمثيله: إنه سوء التفاهم بين الشباب و اليمين.الممثلون يتغيرون، وتشهد الحبكة المعقدة للمسرحية اختلافات عدة، لكن السيناريو يظل هوذاته. وقبل إحدى عشرة شهرا ، في 14 نيسان/أبريل 2005، عقب مناظرة تلفزيونية في القناة الفرنسية الأولى، كان جاك شيراك -الذي استمال الشباب للتصويت لمصلحته في الانتخابات الرئاسية لعام 1995-قد ظهر على بعد سنوات ضوئية من الشباب الذين كانوا يوجهون إليه أسئلتهم.
حول عقد العمل الأول
من الواضح أن المعركة قد بدأت بطريقة سيئة من قبل رئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان، الذي لا يسمع إلا نفسه، والذي استبد بوجهة نظره لجهة فرض نص رفضه الرأي العام، وحاربه طلاب الجامعات والمعاهد الثانوية، ورفضته ايضا النقابات، ولكن ساندته عن مضض الأغلبية الحاكمة.غير أن الغطرسة، بل الإنطوائية التي مارسها، في القناة التلفزيونية الأولى يوم 12 آذار/مارس الجاري، كانت لها تأثير عكسي لجهة إشعال فتيل الإحتجاجات في الجامعات.
في مقابلة مع مجلة باري ماتش الأسبوعية الصادرة بتاريخ 16 آذار/مارس، قال رئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان ، أنه يأسف لشيء واحد فقط بشأن "عقد العمل الأول": أنه "أراد أن يذهب بسرعة"، الآن يجب ممارسة التوضيح و الإقناع". سأقوم بذلك حتى النهاية، لأنني مقتنع بهذا الإجراء". وفي غضون ذلك، اكد دومينيك دوفيلبان بعد اجتماع في وزارة العمل انه "منفتح على الحوار في اطار القانون، لتحسين عقد التوظيف الاول"، لكنه لم يظهر اي اشارة الى سحب هذا الاجراء. واضاف "انني منتبه جدا" الى ما يجري من احتجاجات.
وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك حض اول امس على اجراء مناقشات بين الوزراء والقيادات العمالية، في وقت حشد دوفيلبان الذي يتحمل العبء الاكبر في تداعيات الازمة تأييد وزرائه للقانون المثير للجدل في اجتماع حكومي.
وكان دوفيلبان اقترح فكرة القانون التي لاقت اعتراضات بين اوساط الشباب، بعد اعمال الشغب في تشرين الاول /اكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر الماضيين، في خطوة تهدف لمساعدة الشباب المحرومين في الحصول على وظائف، ولكن الطلاب يخشون تراجع الحماية المكتسبة للعمال من خلال وقف الضمانات للشباب وتركهم مهمّشين.غير أن دوفيلبان لم يحتفظ لنفسه بمخرج، فهو لم يتخذ كل الاحتياطات اللازمة لجهة التنبىء بـ"مخطط ب". فالقانون تم التصويت عليه، و "عقد العمل الأول " لا يتطلب بالضرورة مراسيم، وبالتالي فهو لا يمكن "إلغائه".
بالنسبة للنقابات العمالية، كانت مظاهرة 18 آذار/مارس التي نزل فيها 1،3 مليون متظاهر في كامل أنحاء فرنسا ، نجاحا باهرا.فقد وجدت هذه النقابات في هذه التعبئة الشعبية ضد عقد العمل المؤقت متنفسا جديدا للنضال النقابي.إذ تسمح هذه المعركة ضد قانون العمل الأول أخيرا للنقابات بإيجاد موقع قدم داخل أوساط الشباب. والحال هذه،هددت النقابات الطلابية والعمالية في فرنسابإضراب عام ما لم تسحب الحكومة "عقد الوظيفة الأولى" بعد أن جربت على الميدان قوتها في التعبئة.
ويلتقي قادة النقابات اليوم الإثنين لتنسيق المواقف في ضوء ما ستطرحه الحكومة من مقترحات، بعد أن دعا الناطق باسم الأخيرة إلى الحوار قائلا إن هناك تحسينات يمكن أن تدخل على القانون لتعزيز الضمانات بالنسبة للشباب. وتوقعوا أن يؤدي استمرار التعبئة إلى سحب القانون الذي يفترض أن يصبح ساري المفعول في أبريل/نيسان القادم إذا وقعه الرئيس جاك شيراك, بينما وصف الأمين العام لنقابة "قوة العمال" جون كلود مايي رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان بمن "يعشق إشعال الحرائق في الوادي ثم ينسحب إلى الهضبة ليرى ما خلفته يداه"، وأظهرت استطلاعات الرأي أن 68% من الفرنسيين يعارضون الوثيقة التي هوت بشعبية دي فيلبان ست نقاط كاملة لتصل إلى 37%، وهو ما رآه بعض المراقبين تهديدا لحظوظه في انتخابات الرئاسة العام المقبل. فيما بقي غريمه الرئيسي وزير الداخلية نيكولاس ساركوزي يراقب الوضع من بعيد دون تصريحات قوية، فهو وإن دعم المشروع فإنه دعا إلى تحسين بعض جوانبه.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018