ارشيف من : 2005-2008
ما الذي جنته روسيا وحماس من محادثاتهما؟ ـ 8 آذار/ مارس2006
كتب طه عبد الواحد
في ختام جولة عربية وإسلامية ودولية أجرى وفد من حركة حماس زيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، جاءت تلبية لدعوة وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكانت هذه الدعوة قد أثارت ردات فعل مختلفة لعل أهمها الاستياء الأمريكي والإسرائيلي من هذه الخطوة الروسية، والتحول الذي شهده الموقف الأمريكي أثناء تواجد وفد
الحركة في روسيا، حين أعلن البيت الأبيض أنه ينظر بإيجابية إلى محادثات روسيا ـ حماس. ومنذ إطلاق بوتين دعوته لقادة الحركة، وصولاً إلى تلبيتها كان البحث عن ما سيجنيه الطرفان (روسيا وحماس) من مكاسب محط بحث واهتمام المحللين.
وقبل الزيارة كانت حركة حماس قد صرحت بأن الهدف منها هو عرض وجهة نظر الحركة على الجانب الروسي بداية، ومن ثم سماع وجهة النظر الروسية بشأن قضايا المنطقة.
أما الدبلوماسية الروسية فقد أعلنت أن الهدف من محادثاتها مع حركة حماس لا يتجاوز حدود التعارف والاستماع إلى قادة حماس باعتبارهم القيادة الفلسطينية الحالية المنتخبة، ومعرفة الخطوات التي ينون القيام بها بشأن تسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي من جانب، والمتعلقة بترتيب الأوضاع الداخلية سياسياً واقتصادياً من جانب آخر. ولهذا لم يتوقع أحد أن تأتي الزيارة بمفاجئات أو أن تنتهي بقرارات أو تفاهمات ذات أهمية. إلا أن هذا لا يعني أن موسكو وحركة حماس على حد سواء لم يجنيا ثمار المحادثات بينهما.
لا شك بأن الدعوة الروسية ساهمت بإفشال عزلة أرادتها تل أبيب ومن ورائها واشنطن لحركة حماس، لكن ما حصدته الحركة تجاوز حدود التخلص من عزلة تُراد لها، وزادت على ذلك بتوضيح وجهة النظر الفلسطينية بخصوص عملية التسوية.
والجدير بالذكر أن معظم الصحف الروسية، وبسبب تقصير إعلامي من الجانب العربي أولاً، وسيطرة اللوبي اليهودي على جزء منها ثانياً، تتناول القضية الفلسطينية من زاوية غالباً ما تكون مجحفة بحق الشعب الفلسطيني. حتى أن كثيرين أصبحوا يوجهون أصابع اللوم نحو القيادة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية تعثر مفاوضات التسوية. إضافة إلى أن هذه الصحف كانت تتعامل مع أي رد عسكري فلسطيني على العدوان الإسرائيلي على انه عمل إرهابي. فجاءت زيارة الوفد الفلسطيني الذي ترأسه خالد مشعل لتشكل منعطفاً لا يمكن تجاهله في هذا المجال.
وكانت أكبر الصحف الروسية قد أجرت حوارات صحفية مع السيد مشعل والسيد مرزوق طرحا خلالها الرؤية الفلسطينية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وقدما توضيحات عن أسباب تعثر عملية التسوية، وفقدان خارطة الطريق لموضوعيتها.
ففي رده على سؤال عن العمليات العسكرية الفلسطينية قال السيد مشعل: "إن تضحية الفلسطينيين بأرواحهم هي ردة فعل على الكثير من أعمال العنف التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين، والتي لا تقتصر على العنف الجسدي، بل وتشمل حرمان الشعب الفلسطيني من وسائل العيش والبقاء. وآخر نقطة في هذا الشأن بالنسبة لحركة حماس كانت مجزرة الخليل عام 1994، عندما قُتل العشرات من الفلسطينيين أثناء الصلاة في شهر رمضان المقدس بالنسبة للمسلمين. وكما هي الحال في الفيزياء: لكل فعل رد فعل. منذ عشر سنوات مضت تقدمت حركة حماس بمبادرة تنص على عدم التعرض للمدنيين أثناء العمليات العسكرية، لكن إسرائيل رفضت وما زالت ترفض هذه المبادرة. ومع هذا ما زالوا يعتبروننا إرهابيين! إن نضالنا هو دفاع عن النفس. وحركة حماس هي حركة مقاومة
وليست منظمة إرهابية.... ".
وفي سؤال حول اعتراف حركة حماس بخارطة الطريق، وجهته الصحافية إيلينا سوبوننا من صحيفة (فريما نوفستي) الروسية قال خالد مشعل: "...لماذا الإصرار على تلك الوسائل التي أثبتت عدم فاعليتها؟ بالاعتماد على تلك الوسائل لن نتوصل إلى السلام في الشرق الأوسط (...) طيلة السنوات الماضية كانت الأطراف تضغط على
الفلسطينيين، لكن آن الأوان للضغط على إسرائيل. إسرائيل هي السبب. والمشكلة فيها (...) لقد طلبنا بداية من إسرائيل إطلاق سراح الأسرى في سجونها، والتوقف عن قتل وسجن الفلسطينيين. لكن إسرائيل لم تنفذ أي شي من ذلك. ونحن ما زلنا ملتزمون قرابة العام بالهدنة التي وعدنا بها، ولا نمارس أي نشاط عسكري".
وفي حديث مع صحيفة أخرى تساءل خالد مشعل عن الدولة التي يريدون من الحركة الاعتراف بها، مشيراً إلى أن (إسرائيل) دولة بلا حدود وهو ما يعكس حقيقتها العدوانية وسعيها لاحتلال المزيد من أراضي الغير.
هذا بعض ما قاله مشعل للصحف الروسية الرئيسية والأكثر شهرة، وقد يبدو الكلام طبيعياً بالنسبة للقارئ العربي، لكنه ـ إلى حد ما ـ جديد من نوعه بالنسبة للقارئ الروسي. وطبيعة الصحف التي أجرت الحوارات مع خالد مشعل، ومدى انتشارها وعدد قرائها، تدفع إلى القول بأن الرأي العام الروسي قد تمكن أن يتعرف لأول مرة بهذه
الشمولية على الكثير من الحقائق المتعلقة بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي، تساعده على تحديد الضحية والجلاد في المعادلة الشرق أوسطية المعقدة. فحديث مشعل جاء بلغة بسيطة وواضحة ومبينة على حقائق لا يمكن لأحد نفيها، حتى تل أبيب. ولا يستبعد أن يكون لهذه اللقاءات الصحفية، التي شغلت الصفحات الرئيسية من الصحف
المذكورة في يوم واحد، أثرها الإيجابي على الرؤية الروسية الرسمية، الأكثر عدلاً للقضية الفلسطينية.
أما حصاد موسكو من زيارة وفد حماس فقد جاء سريعاً من خلال الزيارة التي أجراها وزير الخارجية سرغيه لافروف إلى واشنطن ولقاؤه مع نظيرته كونداليزا رايس.
والأغلب أن لافروف قد تحدث هذه المرة من موقع روسيا الدولة التي يحق لها أن تلعب دوراً مستقلاً بذاته عن الدور الأمريكي في حل القضايا والنزاعات الدولية.
لاسيما وأن روسيا هي الدولة الأوفر حظاً في متابعة المحادثات مع إيران بشأن ملفها النووي، وهي الوحيدة ـ كدولة كبرى ـ التي بدأت حواراً مع حركة حماس ما زالت الإدارة الأمريكية عاجزة عن القيام به.
فالزيارة إذاً كانت مثمرة للجانبين، وعلى الرغم من محاولات البعض التقليل من أهميتها، إلا أن نتائجها الآنية أثبتت العكس. وإذا استطاعت روسيا أن تستفيد من علاقاتها هذه بالشكل الصحيح متمسكة بالحياد والشرعية الدولية كحد أدنى، فإن المستقبل سيأتي لها بنتائج أكبر على صعيد تثبيت ذاتها كقوة دولية.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018