ارشيف من : 2005-2008

الإخفاق الاقتصادي الأميركي في العراق

الإخفاق الاقتصادي الأميركي في العراق

كتب توفيق المديني‏

إذ كان المشهد السياسي العراقي يعيش أوضاعا صعبة ومعقدة بسبب تفاقم التوتّر بين مختلف مكوّنات المجتمع، الناجم من الاغتيالات للمرجعيات الدينية والهجوم على عدد كبير من المساجد في مناطق مختلفة من العراق، والتفجير الذي تعرض له ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، رضي الله عنهما، في سامراء، إضافة إلى إعادة بناء النظام السياسي على قاعدة التمثيل الطائفي والعرقي بإشراف اميركي، الأمر الذي جعل العراق يتأرجح على أعتاب كارثة شاملة، وأشدها قتامة الحرب الأهلية، فإن البعد الآخر للإخفاق الأميركي يتمثل في الاقتصاد.‏

فعندما طلبت إدارة الرئيس بوش من الكونغرس نفقات إضافية لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان في أواسط شهر فبراير الماضي، وجاءت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس تتحدث أمام مجلس الشيوخ عن الوضع في العراق، قائلة انه يتحسن برغم الصعوبات، واجهها السيناتور الديمقراطي من ولاية داكوتا الشمالية، كينت كونراد، بقوله: "إن المتفقد العام لإعادة إعمار العراق قال لنا قبل بضعة أيام عكس ذلك تماما. فقد قال المتفقد ان الأمور تزداد سوءا برغم كل الأموال التي أغدقت. إذاً من نصدق؟". حينئذ تلعثمت الوزيرة، ثم قبلت بالوقائع.‏

الوقائع على الأرض رهيبة حسب قول ستيوارت براون، المتفقد الأميركي العام، الذي جاء لتقديم تقريره أمام مجلس الشيوخ يوم 8 فبراير الماضي. فالسيد براون الذي تم تعيينه في نهاية سنة 2004 من قبل الكونغرس لتنظيم الأمور قليلا في مجال التأخيرات، والفوضى في الإدارة، والسرقات المالية التي طبعت الأشهر الأولى من الاحتلال بعد النصر العسكري الأميركي، اعترف أن "التعديلات التي حصلت، لا سيما الشروط الأمنية، قد غيرت الأفاق". فالفارق بين الأهداف المرسومة لإعادة إعمار العراق عقب إسقاط نظام صدام حسين في أبريل 2003، والواقع، ما انفك يتزايد. فمن أصل 136 مشروعا مخططا يتعلق بالمياه، تم إنجاز 49 فقط، أي ما يعادل 36%. إذ إن "أغلبية ورشات التنقية والري، والسدود تم التخلي عنها". وتم إنتاج ما مجموعه 2200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية الإضافية بينما المطلوب هو إنتاج ما يعادل 3400 ميغاواط.‏

وكنتيجة لهذه الأوضاع، تدهورت البنيات التحتية بالقياس إلى عهد نظام صدام حسين، كما أن الخدمات الحيوية للسكان هي أقل من ذلك أيضا. فهناك نقص في إنتاج الكهرباء، والتيار الكهربائي ليس متوافرا إلا بنحو 3،7 ساعات يوميا في بغداد مقابل 16 إلى 24 ساعة قبل الحرب. ومع ذلك فهو يعتبر شيئا أفضل بقليل بالنظر إلى باقي البلاد: 10 ساعات مقابل 4 إلى 8 ساعات. فقط ثلث السكان يحصل على الماء الصالح للشرب (8،25 مليون نسمة) مقابل النصف في العهد السابق (12,9 مليون نسمة). أما الصرف الصحي فهو يمس 5 ملايين من السكان مقابل 6،2 مليون.‏

بيد أن الإخفاق الثقيل يتعلق بالنفط: فالإنتاج لم يبلغ إلا مستوى 2 مليون برميل يوميا (وتعطي بعض التقديرات الأخرى رقما يعادل 1،7 مليون)، بينما كان الإنتاج بنحو 2،58 مليون برميل يوميا.‏

ولكن ، بشكل موازٍ، تُدمِّر حالة الصراع المسلح كل عملية إعادة بناء. فكلفة الأمن تستوعب من الآن فصاعدا ما بين 20 إلى 50% من قروض المشاريع بسبب القنابل، والتفجيرات، والأعمال التخريبية، من دون حسبان "الإستفزازات الدائمة" التي يتعرض لها المستخدمون في الشركات والإدارة. ونحن نعلم أن هناك 2300 جنديا أميركيا قتلوا في الحرب إلى حد الآن، إضافة إلى 467 مدنيا متعاقدا، وأن القوات الأميركية التي يبلغ تعدادها 138000 عسكري عاجزة عن تأمين حماية المنشآت النفطية.! أما الجنود العراقيون البالغ تعدادهم 227000، فإذا كانت "نوعيتهم" أفضل من الآن فصاعدا، بيد أنهم لم يفعلوا شيئا أحسن من القوات الأميركية..‏

بالنسبة لإدارة الرئيس بوش تعتبر أن المصادقة على الدستور في أكتوبر 2005، وإجراء انتخابات يناير 2006 التي أهدت الفوز إلى كتلة الائتلاف العراقي الموحد، تعتبران عملا جيدا، بيد أنهما لم تسهما في خلق عملية سياسية تضع العراق على طريق المصالحة والتسوية. بل على النقيض من ذلك، الوضع العراقي يتردى يوما بعد يوم، وهو يعيش في وهدة حرب أهلية. ويبدو أن المتفقد العام متشائم فيما يتعلق بتأثير هذه الأوضاع لناحية تصحيح الاقتصاد العراقي، بقوله: "علينا أن نقر أن الحكومة العراقية غير مهيأة لتحمل مسؤولية إدارة المشاريع وإعادة إعمار البلاد في المديين المنظور والمتوسط".‏

تعتقد إدارة الرئيس بوش أن الديمقراطية والازدهار الاقتصادي هما توأمان. إسقاط نظام صدام حسين، وانتخاب العراقيين ممثليهم، والعودة إلى العمل. وسيعود السلام والازدهار معا كتوأمين. بيد أن استمرار تصاعد العنف بدّد كل تلك الآمال. فبعد ثلاث سنوات من إسقاط النظام السابق ها هي الديمقراطية تترنح في مكانها، والاقتصاد يعيش حياة خاملة. إذ يوجد فقر مدقع، ولا نمو يذكر. وقد توصل صندوق النقد الدولي في أغسطس العام الماضي إلى النتيجة عينها: فالعنف أقنع المستثمرين بالعدول عن الاستثمارات، وشل التجارة.‏

إن الإخفاق الأميركي في إحكام السيطرة الكاملة على البلاد، تزامن معه إخفاق اقتصادي جلي للعيان. ولكن ليس هذا كل شيء. فتكلفة الحرب انفجرت. ففي عام 2003، كانت تقديرات إدارة بوش لتكلفة الحرب، تتراوح ما بين 50 إلى 60 مليار دولار. بيد أنه تم إنفاق 251 مليار دولار، حسب دراسة الاقتصاديين لورا بيلميس، وجوزيف ستيغليتز (جائزة نوبل) اللذين ذكرهما مارتين وولف من الفاينانشال تايمز. وإذا قررت إدارة بوش إبقاء قواتها لمدة خمس سنوات إضافية (حتى وإن كان عدد الجنود أقل) فإن التكلفة ستتراوح وما بين 200 إلى 270 مليار دولار. إذا أضفنا، تكاليف علاج الجرحى، والمخصصات المدفوعة، وتعويض العتاد العسكري، فإن الفاتورة سترتفع إلى ما بين 700 أو 1200 مليار دولار، أي مضاعفة عشر مرات عن المساعدات التي تقدمها البلدان الغنية للتنمية.‏

2006-10-30