ارشيف من : 2005-2008

حقائق الموساد الإسرائيلي في المغرب العربي

حقائق الموساد الإسرائيلي في المغرب العربي

كتبت: ياسمينة صالح‏

حين عادت إلى السطح قضية المعارض المغربي "المهدي بن بركة" المغتال في العاصمة الفرنسية باريس عام 1965م، ظهر إلى السطح أيضا و بشكل قاطع تورط الموساد الإسرائيلي في عملة الاغتيال تلك، بتواطؤ مباشر مع المخابرات الفرنسية بالخصوص..‏

كانت المكاشفة المدوية هي تلك التي أثارها في شهر حزيران/يونيو من سنة 2001 الضابط السابق في جهاز الاستخبارات المغربية "أحمد البخاري" إثر مقابلة صحفية مطولة أدلى بها لجريدة "اللوموند" الفرنسية اتهم فيها و بشكل مباشر السلطات باغتيال "المهدي بن بركة" زعيم حركة الاشتراكيين (الحزب المعارض)، تمت عملية الاغتيال بتواطؤ مباشر من قبل الاستخبارات الفرنسية و من قبل الموساد الإسرائيلي الذي كانت له يد كبيرة في عملية التصفية الجسدية تلك، ضمن مخطط إسرائيلي كان يريد القضاء على عدد من النشطاء القوميين المغاربة، في الجزائر و المغرب و ليبيا و تونس إبان الستينات.. و الحقيقة أن النشاطات الاستخباراتية الإسرائيلية لأجل تصفية شخصيات سياسية و فكرية لم تكن بالأمر الجديد و لا بالحدث أو الاكتشاف، باعتبار أن الإسرائيليين أنفسهم اعترفوا بأن لهم أذرع قوية و طويلة في منطقة المغرب العربي و أنهم استطاعوا أن ينظموا أنفسهم و يشكلوا ما تجرأ على تسميته "روبن شيلوح"( أول رئيس للموساد) بالشبكة اليهودية في الشمال الإفريقي، ليس هذا فقط، بل أن الصهيوني" مئير عاميت (الرئيس الثالث للموساد 1963-1968)، أصدر عام1999 كتابه المثير للجدل" رأس برأس" كشف فيه بالوثائق التواطؤ المباشر للموساد الإسرائيلي في العديد من العمليات في منطقة المغرب العربي في عملية مطاردة واسعة للفلسطينيين المقيمين في كل من الجزائر و المغرب و تونس و بالتالي مطاردة القوميين المغاربة الرافضين التراجع عن الحقوق الوطنية التي حققها الشرفاء إبان سنوات النضال، و الحال أن تلك الأسرار ردت في النهاية على جملة من الأسئلة أهمها: كيف استطاع الموساد أن ينتشر في منقطة المغرب العربي بالسهولة التي يتكلم بها العديد من الضباط الصهاينة و التي توحي أن منطقة المغرب العربي سوق مفتوحة على الجميع، بمن فيهم على الصهاينة الذين استغلوا في النهاية النزاعات الداخلية و الجهوية لكل منطقة كي يؤسسوا فيها ما يطلق عليه اليوم: شبكة الموساد المغاربية !‏

الحقائق التاريخية:‏

ضمن دراسة مطولة نشرها الباحث المغربي "إدريس ولد القابلة" جاء فيها بشكل موثق، أن الصحفي الإسرائيلي" يوسي ميلمان" من جريدة "هاريتس" كتب تحت عنوان كبير" الموساد ينشئ مكتبا في المغرب" جاء فيه أن الحضور القوي لليهود في العالم أدى إلى سهولة التغلغل ليس في المغرب فقط، بل و امتد نحو الجزائر و ليبيا و تونس..‏

الحقيقة المدهشة أن يهود المغرب لعبوا دورا كبيرا في تشكيل ما يسمى بشبكة الموساد التي استطاعت أن تستقطب في الخمسينات العديد من الشباب اليهود لأجل "حلم إسرائيل الكبرى" الذي زرعه المجرمون الصهاينة في مخيلة يهود الشتات لأجل العمل على صياغته على حساب جميع شعوب العالم، بمن فيهم الدول التي احتضنتهم. بيد أن التواجد المكثف لليهود في المغرب العربي كان جراء الاحتلال الفرنسي، و الذي سمح للعديد من اليهود بالهجرة نحو منطقة المغرب العربي، باعتبار أن فرنسا المحتلة وقتها منحت لليهود حق البقاء في مناطق مغاربية و حق شراء الأراضي و العمل و الاستيطان ضمن مشروع" الفتح الفرنسي" الذي أراد استحداثه الجنرال الفرنسي" شارل ديغول" عبر جملة من المسميات التي كان يصوغها في خطابه السياسي و في رؤيته الإستراتيجية و العسكرية للحرب التي كان يشنها على مناطق كثيرة من إفريقيا و في آسيا الشرقية أيضا. نفس الصحفي الإسرائيلي كشف أن ملك المغرب الحسن الثاني ساهم بعلم منه من ترحيل عدد من اليهود المغاربة إلى"إسرائيل" عام1961، و أن أقرب المستشارين للملك كان من يهود المغرب، و كانت تلك إشكالية تنسيق مباشرة ساهم فيها الجنرال المغربي" محمد أولفقير" لإقناع الملك المغربي بضرورة التنسيق مع اليهود، و فتح مكتبا للموساد يساهم مباشرة في تدريب رجال المخابرات المغربية على تقنيات جديدة، ناهيك على الدعم اللوجستيكي الذي كانت تمنحه الموساد للكشف عن المعارضين المغاربة الذين كانوا يعيشون في فرنسا و من ضمنهم المعارض" المهدي بن بركة" الذي اغتيل في باريس عام1965. في الجزائر، استطاع اليهود أن يتموقعوا في المناطق الأهم في البلاد، و بالخصوص في الشرق الجزائري، قسنطينة التي كانت بالنسبة إليهم مدينة "مقدسة"، و كذلك مدن مثل "تلمسان" و غيرهما من المدن الجزائرية التي ضمت العديد من اليهود الذين كانوا تحت الحماية الفرنسية إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، بيد أن فرنسا التي ساهمت في غرس اليهود في الجزائر، أرادت أن تتخلص من ورطة" الصهيونية" التي انفجرت في أوروبا الغربية و الشرقية و الجنوبية في الأربعينات، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، شعرت فرنسا أن عليها أن تهدي لليهود "جنة" استثنائية فأهدتم الدول التي كانت تحتلها، من ضمنها الجزائر التي جاءها الآلاف من اليهود في نهاية الأربعينات ليستقروا و لتمنح لجلهم الجنسية الفرنسية و يدخل بعضهم في صفوف الجيش الفرنسي لمحاربة الجزائريين..‏

الموساد في الجزائر أيضا:‏

بتاريخ 26 آذار/مارس من سنة2005، كشفت جريدة" لوكوتيديان دو أوران" الفرانكفونية في الجزائر أن الموساد الإسرائيلي ساهم في عمليات تخريبية في الجزائر إبان الثورة و بعدها.. بيد أن صحيفة "معاريف" الإسرائيلية ذكرت الشيء نفسه إبان احتفالية قام بها يهود جزائريين في مدينة القدس في آذار/ مارس من نفس السنة، و جاء على لسان ضابط الاستخبارات الإسرائيلية" ابراهام برزيالي" (78سنة) اعترافات عن ماضيه كضابط لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) و نشاطات قام بها في الجزائر إبان الثورة التحريرية ضد المجاهدين الجزائريين.. اعترف " ابراهام برزيالي " عن وجود خلية تابعة للموساد الإسرائيلي كانت تنشط في مدن جزائرية مثل قسنطينة و العاصمة و تلمسان، كان دورها مطاردة المجاهدين الجزائريين و المثقفين الرافضين الاحتلال، و دعم القوات الفرنسية في الجزائر عبر تقديم المعلومات اللازمة عن تحرك الفدائيين الجزائريين.. و عن عمليات الدعم بالسلاح و المال و الجنود التي كانت تمدها الدول العربية و العالمية المتضامنة مع القضية الجزائرية أيامها، منها مصر. و الحال أن الموساد هو من قدم للفرنسيين التقارير الكاملة عن صفقات الأسلحة التي كان يمدها الرئيس المصري جمال عبد الناصر لثوار الجزائر، و كان التحرك الإسرائيلي الفرنسي البريطاني في العدوان الثلاثي على مصر وفق تلك التقارير التي صاغها الموساد الإسرائيلي في الجزائر. من الناحية النظرية فإن تسلل الموساد إلى الجزائر كان أمرا "طبيعيا" يقول" ابراهام برزيالي" باعتبار أن فرنسا التي كانت تحتل الجزائر عملت على تسهيل بناء شبكة من الاستخبارات الإسرائيلية بالخصوص و أن المعلومات كانت تشير إلى قرب انتصار المجاهدين الجزائريين و بالتالي كان يجب البقاء في الجزائر تحت أي غطاء لأن عمل الاستخبارات الإسرائيلية كان بعيد المدى حسب اعترافاته!‏

ثم جاء الاستقلال الذي بدا كارثيا بالنسبة للدولة المحتلة، و بالنسبة لليهود الذين خرجوا من الجزائر مع الجنود الفرنسيين، و لكن الحقيقة التي كشف عنها " ابراهام برزيالي " هي أن اليهود لم يغادروا كلهم الجزائر ، بل بقي العديد منهم و استطاعوا أن يذوبوا في المجتمع الجزائري، بل بعض نسائهم تزوجوا من جزائريين ! بمعنى أن بقاء اليهود كان سقفا من أسقف التحرك ألاستخباراتي الإسرائيلي الذي كان ينشط بشكل كبير على أساس ما كانت تحمله السنوات المتسارعة الأخرى من تغيرات و تحركات بالخصوص في منطقة الشرق الأوسط، فيما يخص الصراع العربي الصهيوني. و لعل الخروج الفلسطيني من لبنان في الثمانينات قاد العديد من الفلسطينيين إلى الحضور إلى دول المغرب العربي، و هي السنوات التي شهدت حركيات استخباراتية رهيبة من قبل الموساد الإسرائيلي الذي استطاع أن ينفذ عمليات إجرامية على التراب الجزائري من ضمنها عملية قصف سفن حربية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية كانت راسية في ميناء عنابة الواقع في الشرق الجزائري.. قيل وقتها أن كوماندوس إسرائيلي تسلل إلي الميناء قادما من البحر، من بارجة أمريكية كانت راسية في مدخل الأجواء البحرية الجزائرية و لكن العديد من الحقائق التي تكشفت فيما بعد تحدثت أن العملية كانت تحصيل التواجد الرهيب للموساد في منطقة المغرب العربي، و أن العديد من الشخصيات الفلسطينية كانت في خطر وفق ذلك التواجد الذي كشفت عنه إسرائيل نفسها في نهاية الثمانيات على لسان المجرم" إسحاق رابين" الذي كان من أوائل مناصري الاختراق الأمني و الاستخباراتي الإسرائيلي للدول العربية.‏

تونس هدف الحجيج اليهود‏

حكاية غريبة ذكرها كل من الباحث المغربي" ولد القابلة" و الباحث الجزائري" يحي أبو زكريا" في دراستين حول اليهود و المغرب العربي جاء فيهما أن الموساد كلف سيدة تونسية تم توظيفها في العاصمة الفرنسية باريس بفتح محل حلاقة سيدات في أحد أرقى الشوارع الذي ترتاده غالبا سيدات عربيات و زوجات شخصيات سياسية من الوطن العربي.. كانت صاحبة المحل تعمل على تسجيل الحوارات التي تدور داخل المحل، ناهيك على الطريقة المليئة بالدهاء التي كانت تستعملها صاحبة المحل لاستدراج السيدات للحديث عن أمور سياسية خطيرة، و الحال أن العديد من الأخبار الحساسة عن منظمة التحرير الفلسطينية في تونس كانت تأتي إلى رجال الاستخبارات الإسرائيلية عبر ثرثرة نساء زوجات شخصيات عربية. لكن الحقيقة الأخرى أن التواجد اليهودي في تونس يشكل أكثرية بالمقارنة مع عدد يهود الجزائر، و أقله من عدد يهود المغرب، باعتبار أن الاستيلاء النظري اليهودي إزاء تونس أقيم على أساس ما يسمونه " بحق الحج" في معبد الغريبة في جزيرة جربة التونسية التي يسميها بعض اليهود بالجزيرة الإسرائيلية ! يعتبر اليهود في كل أنحاء العالم أن لتونس خاصية دينية بالنسبة إليهم، و الحال أن النظام التونسي لا يرى في منح يهود تونس الجنسية التونسية و حق المواطنة معا، و لعل احتفاظ وزير الداخلية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي بالجنسية التونسية و دخوله إلى تونس بجواز سفر تونسي يؤكد تلك الطروحات الكثيرة التي كتبت عن التواجد اليهودي في تونس، بيد أن العديد من العمليات العسكرية التي نفذها الموساد الإسرائيلي داخل تونس من عمليات اغتيال لكوادر من منظمة التحرير الفلسطينية ( أبو جهاد ـ أبو أياد ) و غرس أجهزة التصنت المتطورة في مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية و التي انتهت باعتقال العميل" عدنان ياسين" الذي تورط بشكل مباشر في عملية التجسس لحساب الموساد الإسرائيلي مقابل 30 ألف دولار !‏

كلها تفاصيل نشرتها العديد من المواقع الإسرائيلية الصهيونية و التي تؤكد أن التحرك الإسرائيلي في تونس أكبر و أخطر باعتبار ما يلاقونه من حرية تحرك على كل الأصعدة، بيد أن الصعيد الاستخباراتي يظل هو الأخطر باعتباره يشكل خطرا كبيرا على كل منطقة المغرب العربي عموما، بالخصوص في وقت تراهن فيه الدولة الصهيونية على إمكانيات متاحة للتطبيع مع الدول العربية حسب ما ذكرته صحيفة معاريف التي تكلمت عن الدور ال"بطولي" للموساد في "إنقاذ" "إسرائيل" أكثر من مرة، و هو الدور الذي يؤكد العديد من خبراء العالم أنه مليء بالقتل و الجريمة و الإرهاب الدولي في أفظع صوره. الموساد الذي استوطن في العديد من الدول المغاربية ليس حكاية من الخيال، بل حقائق صارت تكشفها العديد من الجهات و التي انتهت إلى كتاب:" اليهود : قصة هجرة سرية للكاتبة الفرنسية "إينيس بنسيمون" و الذي كشفت فيه العديد من الحقائق المرعبة عن اليهود المغاربة و دورهم في خلخلة المجتمعات المغاربية و زرع الفتن فيها، و إجبارها على الوقوف ضد القضايا العادلة، عبر إيهامها أن الإسلام جزء من الإرهاب، و أن الإرهاب متجذر من البلاد العربية !!!‏

2006-10-30