ارشيف من : 2005-2008
إيفو موراليس يؤمم قطاع النفط في بوليفيا
كتب توفيق المديني
تأميم قطاع النفط هو الوعد الرئيس للرئيس البوليفي إيفو موراليس ، الذي استلم مهامه الرئاسية في 22 كانون الثاني/يناير الماضي.فحقول الغاز المكتشفة منذ عشر سنوات تجعل من بلاده تحتل المرتبة الثانية من حيث احتياطي الغاز في أمريكا اللاتينية . و لكنها بكل تأكيد بعيدة كل البعد عن فنزويلا (147،4تريليون قدم مكعب) ، التي تفضل البترول .
وفي أول أيار/مايو ، عيد العمال العالمي ، فجّر الرئيس البوليفي ايفو موراليس مفاجأة دولية مدوّية، أعادت إلى الأذهان تجربة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، بإعلانه تأميم قطاع النفط في البلاد، وإمهال الشركات النفطية الأجنبية التي تعمل في لاباز ستة أشهر لتسوية أوضاعها عبر عقود جديدة للاستثمار، وإلا فإنها ستواجه خطر الطرد. وفي خطوة تشبه ما قامت به القوات المصرية عندما أعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس في العام 1956 ،تزامن إعلان موراليس تأميم القطاع النفطي مع سيطرة وحدات سلاح المهندسين في الجيش البوليفي على حقول النفط والغاز ورفع العلم البوليفي على أكبر حقل غاز في جنوبي البلاد، ما دفع أسعار النفط العالمية إلى مستوى 75 دولارا للبرميل.
وقال موراليس، أمام حشد كبير عن شرفة مقر الحكومة في قصر كويمادو في ساحة موريو في لاباز، إن قرارات تأميم أخرى ستصدر قريبا، مشددا على أن "عهد النهب من قبل الشركات الأجنبية قد انتهى". وأوضح "بدأنا تأميم المحروقات، وغدا سيأتي دور المناجم والغابات، وفي نهاية المطاف جميع الموارد الطبيعية التي كافح من أجلها أجدادنا".
وكان استغلال هذه الثروة النفطية ، القابلة لأن تشكل أهم رافعة للتنمية ، ما انفك يحدث جدلا قويا في بوليفيا التي ينتابها شعورا قويا بالغبن جراءعملية النهب التاريخي، المرتبطة باستغلال فضة بوتوسي، والمطاط والقصدير. وهو شعور تعمق بفعل الاقتطاعات التي حصلت من أراضيها خلال حرب الباسيفيك ضد تشيلي(1880)، التي قادت إلى خسارة الساحل البوليفي، و خسارة أيضا منطقة شاكو مع البراغواي(1932-1935)، التي تسبح على بحيرة من النفط.
و بينما تشهد مناجم القصدير انحدارا تاريخيا،فإن قطاع النفط، لاسيما الغاز منه، يشهد صعودا قويا منذ أن تم توقيع عقد بيع الغاز للبرازيل عام 1994، الذي تبعته عملية خصخصة للقطاع عام 1996، الذي يجذب المستثمرين الأجانب الكبار، إذ بلغت الإستثمارات نحو 3،5 مليار دولار( 2،85 مليار يورو).و من جانب آخر، فقد بلغت كلفة مد أنابيب للغاز بين بوليفيا والبرازيل لوحدها 2،2 مليار دولار.
لأن الشركات المتعددة الجنسية وضعت أيديهاعلى الثروات النفطية الباطنية لبوليفيا، فقد انتقل احتياطي النفط المكتشف من 178 مليون برميل في عام 1996 إلى 929 مليون برميل في عام 2002. و خلال المدة عينها ، تضاعف احتياطي الغازبنحو 12،5 مرة ، منتقلا من 4،24 تريليون قدم مكعب إلى 52،3 تريليون قدم مكعب. و أكثر من 80% من البترول و الغاز يوجد في إقليم تاريجا، أما إقليم سانت كروز ، فهو يحوي على نسبة 10% تقريبا.
ويبدو أن المستقبل هو للغاز الأقل تلوثا من النفط، و لكن سعره المحلي لم يشهد المنحى التصاعدي الذي شهده خام النفط. فالبرازيليون و الأرجنتينيون يدفعون 2 دولار للألف متر مكعب من الغاز، الذي يساوي من 12 إلى 15 دولار في كاليفورنيا.
في عام 2005، صدر قانون يتعلق بقطاع النفط، أسهم في أن تضع الدولة يديها على أكثر من 50% . بيد أن هذا القانون لم يرض دعاة التأميم ، ومنذ حينئذ أوقفت الشركات البترولية الإستثمارات في القطاع المذكور. و بعد أن صدر قرار التأميم الجديد ،أوضح موراليس، في حفل في حقل سان البرتو الذي تقوم بتشغيله شركة "بتروبراس" البرازيلية في جنوبي البلاد، أن الشركات الأجنبية "مجبرة على تسليم ملكية إنتاج المحروقات إلى الشركة الوطنية العامة للمحروقات". وتلا موراليس مرسوم التأميم، الذي أصدرته الحكومة بموجب "السيادة الوطنية"، موضحاً أن "الدولة تستعيد ملكية هذه الموارد، والإشراف الكامل والمطلق عليها". وشدداموراليس على انه يعول على هذا "التأميم الحقيقي" لإصلاح الاقتصاد البوليفي. ويفرض المرسوم الجديد على الشركات الأجنبية تقاسماً جديداً لعائدات النفط يخصص 82 في المئة للدولة. ويتعلق الإجراء ب26 شركة أجنبية، بينها الأسبانية "ريبسول"، والفرنسية "توتال"، والاميركية "اكسون موبيل"، والبريطانية "بريتيش غاز"، والبرازيلية "بيتروبراس" المتمركزة كلها في بوليفيا التي تملك ثاني احتياطي للغاز في أميركا الجنوبية، بعد فنزويلا.
وكل فريق يتهيأ الآن لمفاوضات معقدة، بسبب الرهانات وعدد المتدخلين. و هناك ثلاث شركات تسيطر على السوق البوليفية: شركة "بتروبراس" البرازيلية ، وشركة المجموعة النفطية الاسبانية "ريبسول" و الشركة الفرنسية" طوطال" .وتعترض الشركات المتعددة الجنسيات التفاوض من دولة إلى دولة.و أمام ضرورة إغلاق بسرعة هذا الملف الذي يتوقف عليه في قسم كبير منه العائدات المالية للبلاد، من الصعب على حكومة لاباز أن تتجنب استخدام اللغة القوية معها.
و فضلا عن ذلك ، هناك سببان يدفعان باتجاه استثمار صناعي للغاز، حيث تمتلك الشركات المتعددة الجنسيات القدرة على ضمانهما اليوم .الأول و يكمن في ضرورة تلبية حاجيات السوق الداخلية، و الثاني ، إظهار مصلحة البيع إلى الخارج منتوج أكثر مردودية، بدلا من تصدير المادة الأولية.
وتقدر الخبيرة البوليفية فارينيا دازا من الشركة الوطنية للمحروقات، أن " شركة توتال الفرنسية هي المؤهلة أكثر من سواها لعملية تصنيع الغازلمصلحة السوق الداخلية،لأن المجموعة الفرنسية تمتلك خبرة وتسيطر على الاحتياطات الرئيسة من الغاز في بوليفيا، سواء أكانت مؤكدة أولا" . فالغاز ذو السعر الجيد يمكن أن يغذي المصانع الكهرحراريَة وخدمة المنازل، بينما لا نجد إلا القليل من المدن تتمتع بشبكة من غاز المدينة (باستثناء لاباز، و سانت كروز، و كاميري). وتقدر شبكة مد الغاز الذي يغذي المدن البوليفية بنحو 1،5 مليار دولار، من دون حسبان خط الأنابيب الذي يربط بين الأقاليم.
و حسب قول الخبير البوليفي المستقل كارلوس ميراندا ، "فإن المشروع الجيد للتصنيع هو القطب البتروكيميائي المقترح من الشركة البرازيلية براسكيم ، على الحدود بين البلدين ". هذه المشروع قادر على خلق 40000 فرصة عمل مباشرة أو غير مباشرة، و يتطلب استثمار بنحو 1،4 مليار دولار، أي ما يعادل مجموع الإستثمارات للشركات الكبرى الثلاث، ريبسول، وطوطال ، وبيتروبراس.
أخيرا ، إن الرئيس إيفو موراليس الذي يعمل لتنفيذ الوعود الإنتخابية و يلبي التطلعات للشعب البوليفي من دون أن يرهق الشعب الذي اوصله، سيحاول صرف الأموال المتأتية من بيع الغاز لتنفيذ كل هذه الوعود والتطلعات. من هنا تأتي أهمية استراتيجية التأميم التي تدخل في سياق السياسة المضادة للعولمة الليرالية أيضا.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018