ارشيف من : 2005-2008
اليسار خيار إيطاليا
كتب توفيق المديني
حقق ائتلاف يسار الوسط بقيادة روماني برودي فوزا في الا نتخابات الأخيرة لمجلسي النواب و الشيوخ في إيطاليا، و سيواجه مصاعب السلطة في ظروف سيئة أكثر من المتوقع، لا سيما في ظل تردد ائتلاف يمين الوسط بقيادة سيلفيو برليسكوني، حليف الولايات المتحدة الأمريكية، الإقرار بهزيمته، مقترحاً تشكيل ائتلاف عريض على غرار الائتلاف الحاكم في ألمانيا، وهو ما رفضه برودي فوراً. ففي مجلس الشيوخ حصل تحالف اليسار على أغلبية ضئيلة بمقعدين، بينما لا يجوز أن ينسينا سعة أكثريته في البرلمان، المعزوة إلى المنحة المدفوعة إلى الإئتلاف الذي حصل على 340 مقعدا من أصل 630 مقعدا ،قصر نجاحه، بفارق 25 ألف صوت تقريبا عن اليمين.
إيطاليا تطوي صفحة الولاية الثانية لسيلفيو برليسكوني الذي شغل منصب رئيس وزراء إيطاليا (خمس سنوات)، إذ يعد الوحيد الذي أكمل ولايته منذ الحرب العالمية الثانية. إيطاليا منقسمة إلى شطرين ، كما هو الحال في الانتخابات الألمانية . فالشعبان الألماني و الإيطالي رفضا إعطاء تخويل كامل لأحد العائلتين السياسيتين المتنافستين على القبض على السلطة، سواء أكانت من اليمين أو من اليسار. وكان الألمان والإيطاليون قد تعبوا من أنماط الحكم والحكومات ذاتها، وباتوا أكثر رغبة في التحرر و عدم الخضوع إلى إدارة يمينية أو يسارية.
من الناحية السياسية روماني برودي له الحق في تشكيل الحكومة، إذ ينص جدول الأعمال السياسي على اجتماع مجلسي البرلمان الجديد اعتبارا من 28 نيسان/أبريل لتحديد رئيسهما وتشكيل الكتل البرلمانية. و خلال 15 يوما ، أي قبل 13 أيار/مايو المقبل يفترض أن ينتخب البرلمان رئيسا جديدا للجمهورية مع انتهاء ولاية كارلو تشامبي التي استمرت سبع سنوات في 18 أيار/مايو.
حسابيا، روماني برودي له حظوظ كبيرة لتولي رئاسة مجلسي البرلمان بالضرورة ، على الرغم من أن اليسار أخفق في تحويل الاستحقاق الانتخابي إلى استفتاء شعبي أنتي – برليسكوني.
بيد أن يسار الوسط رفض هذه الفرضية ، مع الاعتراف في الوقت عينه أنه باستطاعته أن يحكم ضد النصف الثاني من إيطاليا حيث المناطق الأكثر ازدهارا والأكثر إنتاجية في البلاد تقف ضده. وعلى عكس الاتجاهات التقليدية، فقد فاز اليمين في الشمال الصناعي، حيث تتمركزطبقة عاملة قوية و طبقة وسطى ذات ميول يسارية. فهل سينجح روماني برودي في التوفيق بين ضرورة أخذ بالحسبان ملايين من الإيطاليين الذين صوتوا لمصلحة سيلفيو برليسكوني، واحترام البرنامج الذي وقعه مع مختلف أحزاب ائتلافه؟
إن اعتقاد قطاع من الايطاليين بنجاح البرليسكونية، لم يمنع الأغلبية من اعتبار ان الاقتصاد الايطالي راوح مكانه، فضلا عن أنه في أواسط سنة 2003 ، أصبح الطلاق بين برليسكوني والطبقات الوسطى الإيطالية واضحا. ذلك أن "قوة إيطاليا" عرفت كيف تستقطب أصوات الطبقات الوسطى، لكنها لم تنجح في تحقيق مشروع استبدال الديمقراطية المسيحية المتوفية، التي كان اختصاصها إعطاء تمثيلية لقلقها طيلة المرحلة التاريخية الماضية. فالمسألة تمت مناقشتها لجهة معرفة هل إن عملية إفقار فئات الطبقات الوسطى المتكونة من الموظفين ، والتجار الصغار، و الحرفيين مرده الانتقال إلى اليورو، وعدم التوزيع العادل للمداخيل في آن معا.
من الواضح أن هناك ديناميات أخرى أكثر تعقيدا دخلت على الخط، ، لا سيما فقدان الثقة في المستقبل الذي أحدث تحولات في الرؤية التقليدية لعالم الطبقة الوسطى الإيطالية.و بشكل مواز، أخفق سيلفيو برليسكوني في محاولته استمالة الجناح المعتدل من النقابات الإيطالية، و كل فصاحته من التشجيع الضريبي إلى خلق الشركات، قد اظهر حدود مشروعه. ويأخذ عليه خصومه انه لم يعالج المشاكل المزمنة، التي يعاني منها الاقتصاد وبالخصوص مشكلة المديونية، التي تعد احدى اكبر المديونيات في العالم،حيث تجاوزت نسبة 106 في المائة من الناتج العام المحلي، وبلغت نسبة العجز في الموازنة قرابة 4 في المائة، الأمر الذي يعني تجاوز المعايير الأوروبية، فضلا عن أن بيرليسكوني ختم ولايته بنسبة نمو تساوي صفرا في عام 2005.
الشيء المؤكد أنه بين روماني برودي و سيلفيو برليسكوني، كان اختيار الناخبين في إيطاليا، هو اختيار بين مفهومين متعارضين للسياسة والدولة. اليسار قام بحملة انتخابية شعارها "الجدية في العمل الحكومي ". إنه نموذج التصنيع للبروفسور روماني برودي المولود في 9 آب/أغسطس 1939، و الشخصية الكاثوليكية المنشأ التي نمت في كنف الحزب الديمقراطي المسيحي المنحل الذي فقد مصداقيته السياسية بعد سلسلة من الفضائح، و الذي عمل طوال نصف قرن تقريبا على الحيلولة دون وصول اليسار إلى السلطة في إيطايا.و كان برودي أحد "التكنوقراط" الذين شكلوا الحكومات الإيطالية في التسعينيات كبديل للساسة التقليديين الذين أخفقوا في النهضة باقتصاد البلاد. وقد عمل تحت راية اليسار و أصبح زعيما لتجمعه المعروف باسم "شجرة الزيتون". وقاد هذا التجمع إلى نصر بفارق ضئيل في انتخابات 6 نيسان/بريل 1996 العامة، ليصبح أول يساري في الجمهورية الإيطالية يترأس الحكومة ما بين 1996 و 1998.
بعد فوز اليسار في إيطاليا ، المجالان اللذان ينتظر أن يحدث فيهما تغيرات مهمة ، هما: السياسة الخارجية و السياسة الاقتصادية. وبرلوسكوني الذي يعتبر من أشد دعاة الليبرالية ومناصري الزعامة الاميركية على العالم، أيّد على الدوم طوال ولايته التي استمرت خمس سنوات مواقف "صديقه" بوش. اما برودي الذي يضم ائتلافه جميع الاحزاب اليسارية، وبينها الحزب الشيوعي، فسوف ينأى بموقفه اكثر عن الموقف الاميركي .
وهذا لايعني ان ايطاليا الأطلسية تقليديا ستقطع الجسور مع واشنطن، و إنما ستنتهج سياسة أكثر استقلالية، قوامها العودة إلى أوروبا مثلما عادت اسبانيا سنة2004 حينما فاز الحزب الاشتراكي و المبادرة إلى إعلان سحب القوات الإيطالية من العراق .
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018