ارشيف من : 2005-2008
عملية تل أبيب الاستشهادية:إنجاز ميداني... وبلورة معادلة التكامل بين المقاومة والحكومة
كتب علي حيدر
الأمر الذي لا لبس فيه أن للظروف الميدانية والإجراءات الأمنية دور أساسي في التمكين أو الحؤول دون إخراج أي عملية جهادية إلى حيز التنفيذ... وهو ما ينطبق على كل عمل عسكري أيا كانت ساحته واستهدافاته من دون أن يتعارض ذلك مع ارتباط أو تأثير هذه العملية بسياقات سياسية، وغير سياسية، قد يكون لها دور في التحفيز أو التوقيت أو اختيار الهدف أو الأسلوب....
ما تقدم يصح إطلاقه أيضا على العملية الاستشهادية التي نفذتها سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، في تل ابيب. ففيما يتعلق بالجانب الأول، الميداني، إن تنفيذ هذه العملية في قلب الكيان الإسرائيلي، تل ابيب، بعد بناء الجدار الفاصل في اغلب المنطقة المتاخمة بين الكيان الإسرائيلي والضفة الغربية، والإجراءات الأمنية الاستثنائية في المناطق المتبقية منها، والتواجد العسكري في عمق الضفة الغربية وانتشار قواتها فيها طولا وعرضا، فضلا عن المداهمات والاقتحامات المتواصلة للمدن القرى، وتراكم الخبرات لدى الجيش الإسرائيلي خاصة خلال فترة انتفاضة الأقصى، إضافة إلى الدور النشط والفعال للإستخبارات الإسرائيلية وتنمية قدراتها وتركيز جهودها... وبعد الاعداد الكبيرة من الشهداء والاسرى من كوادر ومجاهدي المقاومة... كل ذلك وغيره جعل من نجاح كل عملية، وتحديدا في الداخل الإسرائيلي، انجازا قائما بذاته يُنظر إليه حتى من قبل الإسرائيلي على انه إسقاط أو اهتزاز للإجراءات الأمنية يؤشر على إمكانية تكرارها في المستقبل وهو الجانب الأهم بالنسبة لإسرائيل انطلاقا من ان خطورة استخدام أي سلاح أو تكتيك فعال تكمن فيما تكمن، في قدرته على توجيه الضربات مرارا وتكرارا...
اما فيما يتعلق بجانب من الظروف السياسية وغير السياسية المتأثرة وربما المؤثرة في قرار تنفيذها وتوقيتها... فيمكن تسجيل ما يلي:
بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية وفرز نتائجها وفي اعقاب اكتمال المشهد السياسي الداخلي الفلسطيني مع استمرار إطلاق صواريخ القسام ردا على الاعتداءات الإسرائيلية... قرر الطرف الإسرائيلي المبادرة إلى عمل عسكري تصاعدي في القطاع عبَّر عنه بعض قادة الجيش في هيئة الأركان بالقول الاستمرار في الضرب "إلى أن يقولوا كفى". ومما لا شك فيه ان قرار التصعيد هذا أتى على خلفية مزدوجة، استمرار ضرب البنية العسكرية والكادرية للمقاومة، وايضا مواجهة حكومة حماس عبر مفاقمة معاناة الشعب الفلسطيني كجزء من تطويقها ومحاولة إسقاطها أو إفشالها... أتت العملية الاستشهادية في تل أبيب كجزء من منظومة الرد الفلسطيني المتناسب مع حجم الهجمة الإسرائيلية اما لتحقيق نوع من الردع وفي اقل الأحوال جعل العدوان الإسرائيلي اكثر كلفة، مما قد يؤدي تراكمها إلى الحد منه وإيجاد الأجواء التي تمكن المقاومة من مواصلة عملياتها...
بدا واضحا من مجمل المواقف والتصريحات التي اطلقها المسؤولون الإسرائيليون والاميركيون فضلا عن الاداء الميداني، بالمقارنة مع الخيارات المطروحة امام العدو لمواجهة الوضع السياسي المستجد فلسطينيا، ان الإسرائيلي هدف من خلال تحميله حركة حماس مسؤولية العمليات العسكرية التي استهدفته، وقد تستهدفه لاحقا، إلى حشر الطرفين الفلسطينيين - الحكومي والمقاوم - على حد سواء في رهان على إمكانية أن يؤدي ذلك إلى كبح فصائل المقاومة طوعا أو كرها، لكن تنفيذ سرايا القدس لعملية تل ابيب الاستشهادية وتبريرها من قبل حركة حماس على أنها ضمن إطار دفاع الشعبي الفلسطيني عن نفسه، اسقط هذا الهدف ووضع حجر الأساس لمحاولة فرض معادلة مغايرة لما يحاول العدو فرضه في المرحلة التي بلغها الصراع في فلسطين... فلأول مرة هناك حكومة فلسطينية تبرر العمليات من منطلق تبني خيار المقاومة لتكتمل معادلة التكامل – غير المسبوقة في فلسطين – عبر تأمين المظلة الرسمية المباشرة لخيار المقاومة وهو ما قد يفتح آفاقاً جديدة في الصراع ينبغي اعتباره حتى الآن انه مفتوح على احتمالات متعددة...
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018