ارشيف من : 2005-2008
ثمانية وعشرون عاماً من الاعتقال: للبنان بطل وفارس شجاع... اسمه سمير القنطار
هناك خلف جدران معتقل هداريم الباردة، تقبع حماسة مقاوم، وحرارة عربي تواق إلى الحرية، وعزيمة أسير وقف في وجه سجانه رافضاً الاعتذار لأن إيمانه بقضية وطن وأمة كان خارج إطار المساومات والمقايضات.
إنه عميد الأسرى سمير القنطار، الأسير النموذج الذي استحق أن يصبح يوم ذكرى اعتقاله يوماً للأسير العربي.
ابن بلدة عبيه اللبنانية الذي كان يذيل اسمه منذ صغره بعبارة "الشهيد"، اعتقل في مثل هذا اليوم من العام 1979، ومنذ تلك اللحظة التي اعتقل فيها جريحاً أثناء قيادته لعملية "القائد جمال عبد الناصر" في مستعمرة نهاريا مع ثلاثة من رفاقه، بدأت مسيرته النضالية من داخل السجن، ليكون الإسم الأول في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة.
لم يبق سجن من سجون العدو الإسرائيلي إلا وكانت لسمير الذي تعرض لمختلف انواع التعذيب، بصمات فيه فمن معتقل الصرفند، الى عسقلان، الى بئر السبع، الى الجلمة، الى الرملة، الى معتقل جنيد، إلى معتقل نفحة الصحراوي في النقب وهو من أقسى السجون الإسرائيلية، الى إحدى زنزانات
سجن هداريم حيث هو اليوم، تنقل سمير حاملاً معه أينما ذهب قضيته ومواقفه التي يمكن أن تشكل مدرسة في الوطنية والقومية تعلّم مادة رئيسية وهي "كيفية المحافظة على الثوابت رغم كل الضغوط"، فهل هناك أقسى من ضغوط السجن والأسر!!!
ثمانية وعشرون عاماً وزّع سمير القنطار خلالها حرية على سجانيه وعروبة في زمن كثر الهاربون من عروبتهم، سنوات وأشهر بالمئات وأيام بالآلاف قضاها سمير داخل جدران المعتقلات، راهن خلالها العدو على تراجعه، وخضوعه واستسلامه، إلا أن الأيام كانت تمر وكان يكبر معها الثبات والعزيمة والإيمان بالمقاومة سبيلاً لتحرير الأرض والاسرى.
خاض سمير القنطار نضالات عديدة من داخل المعتقل للحصول على الحد الأدنى من شروط العيش الإنسانية، ولقد كان بشهادة الاسرى الذين تحرروا وسبق لهم أن رأوه في المعتقل قوي العزيمة الأمر الذي كنا نتلمسه من خلال رسائله التي كانت مفعمة بهذا الجو من المعنويات العالية والصبر حيث
يقول في إحدى الرسائل "بالرغم من السنين الطويلة داخل المعتقل ما زلت مرفوع الرأس صامداً بشرف ورجولة أعتز بهما كثيراً".
خاض سمير عشرات الإضرابات عن الطعام وبعد إضراب عن الطعام دام 19 يوماً إنتزع سمير حقه مع رفاقه الأسرى في التعلم بالمراسلة من داخل سجنه وبعد جهود كبيرة ومتواصلة ومتعبة سمح له في عام 1992 الالتحاق بجامعة "تل أبيب" المفتوحة وهي تسمح بإنتهاج أسلوب التعلم عن بعد وقد تخصص بمادة العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأنهى دراسة الإجازة في حزيران/يونيو العام 1997 وبعد ان انهى المواد المطلوبة منه وكتب بحثين إضافيين الى المواد بعنوان "المفاجئات العسكرية في الحرب العالمية الثانية"، و"تناقض الأمن والديمقراطية في إسرائيل"، وفي تموز/يوليو العام 1998 طلب الأسير سمير القنطار متابعة دراسته العليا في جامعة خاصة موجودة في "إسرائيل"، ولكن إدارة السجن رفضت طلبه معتبرة انه لا يمكنه الدراسة إلا في جامعة عبرية كي تراقب مضمون المواد.
ظروف الاعتقال القاسية واجهها سمير القنطار بصبر وهو الذي يعاني من مرض الربو ومن رصاصة لا تزال مستقرة في رئته اليمنى، فظل قلبه ينبض حتى الساعة بعشق الوطن والدفاع عن القضية.
وفي وقت كثر الداعون إلى نزع سلاح المقاومة، وسط القرارات الدولية المتلاحقة وفي مقدمتها القرار 1559 انبرى عميد الأسرى يؤكد من سجنه دعمه للمقاومة ومواقفه التي لم تحيد قيد أنملة عن الخط الوطني والعروبي رغم وجوده تحت سطوة السجان الإسرائيلي.
"لنا الأرز والسنديان والزيتون والبرتقال وهم لم يورثهم أجدادهم شجرة واحدة يتفيئون في ظلالها... لنا صنين وثلجه ناصع البياض، ولهم دخانهم الأسود المنبعث من فوهات مدافعهم... لنا بسمة الاطفال الذاهبين إلى مدارسهم... ولهم لعنة زهرة الدحنون النابت من دماء أطفال قانا... لنا البحر وقرص الشمس الأحمر... ولهم لعنات الأمواج كلما لامست رمال الشاطئ".
هكذا يقول سمير القنطار في إحدى رسائله حول ما لدى اللبنانيين وما لدى العدو الإسرائيلي... ونحن نضيف على عميد الأسرى فنقول "لهم سجانهم الجبان وظلام زنزاناتهم... وللبنان بطل وفارس شجاع اسمه سمير القنطار".
ميساء شديد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018