ارشيف من : 2005-2008

الماويون والتغيير الراديكالي في النيبال

الماويون والتغيير الراديكالي في النيبال

كتب توفيق المديني‏

منذ مايزيد عن ثلاثة أسابيع تواجه النيبال ثورة شعبية في العاصمة كتمندو، تقودها المعارضة الديمقراطية، ومن ورائها الحزب الشيوعي الماوي. وكانت الأحزاب السبعة الرئيسة التي قادت هذه الحركة الشعبية المطالبة بإحلال الديمقراطية في البلاد، تطالب الملك بإعادة البرلمان، وإجراء انتخابات لتشكيل جمعية تأسيسية. وما وراء مصير المملكة الهمالاوية يطغى أيضاً شبح جيرانها الكبار، أي الصين التي تريد أن تعزز الطرق المؤدية من التيبت الى النيبال والهند، والتي يستهدفها الماويون الذين ينسجون علاقاتهم مع الأحزاب الهندية الشقيقة. ومنذ أن جرى الاعلان عن ان المتمردين هم ارهابيون راحت الولايات المتحدة وبريطانيا تقدمان السلاح والخبراء الى كاتماندو. فحال البلبلة النيبالية زادت شيئاً من الارباك على اللعبة الجيوسياسية في الهملايا.‏

وكان الملك الحالي جيانندرا قد استولى على كل السلطات في 1شباط/فبراير2005، عندما حل البرلمان، وحظر نشاط الأحزاب السياسية، المتهمة بوجه خاص لعجزها عن مكافحة الثورة الماوية، و منذ حينئذ رفض إحلال الديمقراطية في المملكة الهمالاوية .وقاد هذا الوضع إلى فقدان شعبيته بصورة كبيرة، وإلى إعلان الأحزاب السياسية السبعة عن إضراب عام مفتوح يوم 6 نيسان/ابريل، فتحول الإضراب الجماهيري إلى عصيان مدني ديمقراطي شمل كل قطاعات المجتمع، فما كان من الملك جيانندرا سوى الإذعان للمطالب الديمقراطية ، فأعلن عن إعادة البرلمان المنحل إلى العمل.‏

الملك الحالي جيانندرا تم طرده من الحكم مرتين : الأولى في 6 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1950 ، وكان عمره آنذاك ثلاث سنوات ، فقد تم تنصيبه على العرش من قبل آخر رئيس وزراء للأرستقراطيين راناس، الذين رفعوا الحيازة عن العائلة المالكة منذ أكثر من قرن.‏

فالعاهل ليس هو الأمير ولي العهد، ولكنه تم تتويجه، لأن أخيه "بيريندرا"، وابوه "ماهندرا" وجده "تربهوفان"، كانوا في الهند، من أجل محاولة استعادة حقوق عائلة الشاه على العرش، بدعم من نيودلهي. وهذا ما حصل في شباط/فبراير عام 1951، عندما عاد تربهوفان للإستقرار في قصر كتمندو.‏

ولم "يحكم "جيانندرا"سوى ثلاثة اشهر.‏

في فترة الخمسينيات من القرن الماضي شهدت النيبال مخاضا ديمقراطيا، فقد تم خلالها تأسيس مجموعة من الأحزاب، والعمل على إقرار دستور جديد للبلاد تم إقراره من قبل الملك "ماهندرا" عام 1959، وحصلت انتخابات برلمانية هي الأولى من نوعها في النيبال وتم تشكيل الوزارة النيبالية على أساس حزب ديمقراطي لا على أساس التعيين. لكن هذا العرس الديمقراطي لم يدم طويلا، فقد قام الملك "ماهندرا" بطرد رئيس الوزراء المنتخب بعد ثمانية عشر شهرا، وأقر دستورا جديدا يعيد السلطة المطلقة للملك، ويقوم على التقاليد الموروثة في النيبال، ويستبعد اية ممارسة سياسية حزبية.. و في عام 1972 خلف "بيريندرا" أباه في الحكم، وجاءت هذه الخلافة وسط تظاهرات طلابية، مما دعا الملك الجديد إلى الدعوة لاستفتاء شعبي من أجل التصويت على طبيعة الحكومة النيبالية المقبلة.‏

وفي عام 1980، قام الملك بإصلاحات دستورية، واختيار رئيس الوزراء.‏

وفي العام 1990 تمكن التحالف بين حزب المؤتمر النيبالي والحزب الشيوعي النيبالي أن يفرض على الملك "بيرندرا"، عبر حركة تمرد شعبي قوية، العمل وفق نظام ملكي دستوري مؤسس على ديموقراطية برلمانية. وهذا ما شكل ثورة فعلية في دولة حكمتها على مدى قرن سلالة وراثية من رؤساء الحكومات، ثم عاد يُحكم السيطرة عليها ملوك يمنعون عمل الأحزاب السياسية.‏

هذه الإصلاحات لم تحل الأزمة في الريف النيبالي. ففي العام 1996، وسّعت حركة التمرد المسلح ذات الاتجاه الماوي سيطرتها على قسم مهم من النيبال.‏

والماوية هنا، مع تأخر جيل عن غيرها، تستلهم في هذا البلد ما كانت عليه الحركة الثورية الماركسية اللينينية في البنغال الغربية الهندية في ستينيات القرن الماضي. لقد أصبح الماويون النيباليون جزءاً مهماً من اللعبة السياسية الثلاثية الطرف حيث باتت الحكومة التي يعيّنها القصر الملكي هي الغالبة بين الأحزاب السياسية البرلمانية. في هذه الأثناء تتناوب "الحرب الشعبية" ومراحل الحوار بين السلطة والثوار الذين تقودهم حكومة ثنائية الرأس تتألف من منظّر الحركة السيد بابورام باتاراي ومن رئيس الحزب السيد بوشبا داهال المعروف ببراشاندا ("المرعب").‏

بيد أن هناك حادثة أخرى مؤلمة أعادت جيانندرا إلى الملك في حزيران/يونيو 2001. ففي لحظة جنونية بسبب رفض الملكة زواج ولي العهد الشاب "ديبندرا" من المرأة التي أحبها، قام هذا الأخير بقتل أبيه، والملكة، وأخيه، وأخته، وبعض من أقربائه، قبل أن ينتحر.‏

آنذاك، أصبح "جيانندر" االمولود عقب أخيه، والوحيد الباقي على قيد الحياة من الأسرة المالكة، ملكا على النيبال. فكانت الفترة الواقعة بين أعوام 2001 و 2006 من أشرس الفترات التي مرت بها النيبال ، إذ وقع شعبها بين مطرقة الحكومة في كتمندو و سندان الحركة الماوية المسلحة في الريف، التي خلفت 13000 قتيلا خلال عشر سنوات.‏

ويستند الماويون الى برنامج من أربعين نقطة هي خليط من المطالب السياسية والاجتماعية ومن التطلعات القومية ضد "الامبرياليين" (الأميركيين) و"التوسعيين" (الهنود). فمن الناحية السياسية ، يدعو الحزب الشيوعي ـ الماوي الى دولة علمانية (علماً أن المملكة هي الدولة الوحيدة التي تعتمد رسمياً الديانة الهندوسية)، والى إلغاء الامتيازات الملكية (من دون أن يصرح بالدعوة الى الغاء الملكية) والى انشاء مجلس تأسيسي جديد.‏

ويبقى أن همالايا تظل دائرة للأزمات المعلنة او الخفية، كشمير والنيبال والتيبت، وعلى جانبيها منطقتا خطر، فمن جهة هناك سينكيانغ الصينية المضطربة بفعل مطالب الـ"الويغور" الذين تستغلهم شبكات اسلامية، ومن أخرى هناك الشمال الشرقي الهندي حول أسام حيث البؤر الانفصالية المضبوطة لكن المتكررة.‏

هكذا تبدو النيبال المحاصرة بين العملاقين النوويين الآسيويين وهي تشهد ثورة ماوية، متأخرة في حركة التاريخ التي يكتبها الفكر السياسي المهيمن حالياً. وهذا ما يستدعي مراقبتها عن كثب، فالقرن الحادي والعشرون قد يخبئ الكثير من المفاجآت.‏

خاص الانتقاد ـ 26 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-30