ارشيف من : 2005-2008
كيان العدو و موريتانيا .. إغراء الجنس و المال و المصالح !
كتبت: ياسمينة صالح
حين أجرت صحيفة" هموم الناس" الموريتانية مقابلة مطولة مع سفير كيان العدو في نواكشوط، صدم القراء الذين تظاهر العديد منهم أمام مقر الصحيفة رفضا لأي نوع من أنواع التطبيع مع الكيان الصهيوني، و الحال أن الجمعية الموريتانية لرفض التطبيع (وهي جمعية ذات إطار شبه سياسي) كانت وراء حملة مناهضة للتواجد الإسرائيلي داخل الجمهورية الإسلامية الموريتانية قبل أن تطوق السلطات الموريتانية مقر الجمعية و تعتقل العديد من أفرادها بتهمة " التظاهر غير الشرعي" و "الرغبة في المساس بالأمن العام"..
ما كان محظورا في السنوات الماضية لم يعد كذلك اليوم، و موريتانيا التي كانت ترفض مجرد الحديث عن "إمكانية" التقارب مع الدولة الصهيونية لا تكتفي اليوم بتوجيه الشكر الجزيل للسفير الإسرائيلي على ما" قدمته الدولة العبرية" لموريتانيا لدعمها اقتصاديا و سياسيا في الآونة الأخيرة، بل صارت تنشر في صدر الصحف اليومية صور السفير الإسرائيلي و حوارات مع شخصيات إسرائيلية في موريتانيا و حكايات "غريبة" عن الدور " الجميل" الذي مارسته إسرائيل "لإنقاذ" موريتانيا من المجاعة !
عملية البحث عن "القبة الصحراوية" !
لعل الغريب في الأمر أن التحرك الإسرائيلي في موريتانيا يوازيه التحرك الأمريكي في منطقة المغرب العربي، فالزيارات المكوكية التي يقوم بها عدد من الأمريكيين تكشفت مقاصدها حين اتضح أن الرغبة الأمريكية في منطقة المغرب العربي هي نفسها الرغبة الإسرائيلية في نفس المنطقة، و في إفريقيا ككل، حتى و إن كان المشروع الأمريكي يدخل في إطار إقامة عدد من القواعد العسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية و الإستراتيجية و لتشريع مخططاتها الناهبة للنفط الإفريقي. حتى حين انفجر الوضع في التشاد ضد السودان، تكشفت الأيادي الأمريكية و الإسرائيلية التي أرادت من البداية عزل السودان و عزل منطقة دارفور و "خصخصتها" بما يمكن أن يخدم المصالح الأمريكية بالخصوص، بحيث صار مؤكدا توفر المنطقة على النفط. دراسة عن المهد الأمريكي للدراسات الإستراتيجية كشفت بتاريخ 20 أيار/مايو من سنة 2004 عن الدور الأمريكي الذي يجب أن تلعبه إدارة جورج دابليو بوش لأجل "رسكلة" المنطقة الإفريقية، و بالتالي قطع الطريق أمام كل محاولات التسوية و الوحدة التي قد تنجح فيها مواثيق جديدة للمؤتمر الإفريقي الموحد الذي كان سينعقد في العاصمة السودانية من نفس السنة، قبل أن ينفجر نزاع عرقي مفاجئ في جمهورية الكونغو، و نزاع مفاجئ آخر في جنوب النيجر تسببت فيه جماعة من الأفارقة الرحل. النزاعات أوقفت بشكل مقصود كل محاولة اتفاق أو توقيع على اتفاق إفريقي موحد كانت العديد من الدول تشترط في بعض بنوده العديد من اللوائح منها عدم التدخل العسكري ضد الدول الموقعة، و عدم إبرام أي اتفاق أحادي مع أي جانب غربي، و بالتالي إيقاف كل سبل التطبيع مع الكيان الصهيوني في ظل التصعيد الإسرائيلي الخطير في منطقة الشرق الأوسط (الاغتيالات المقصودة و قصف مواقع المدنيين الفلسطينيين و قصف مواقع في الجنوب اللبناني و تهديد سورية بقصف مواقع لحركة حماس و الجبهة الديمقراطية داخل دمشق) كل ذلك التصعيد أحرج العديد من الدول الأفريقية أمام شعوبها التي كانت رافضة لأي تقارب مع الصهاينة بالخصوص و أن النسبة المسلمة في إفريقيا تشكل أكثر من 56% من مجمل السكان فيها. لكن عرقلة أي مشروع لعدم التطبيع المخذول جعل العديد من الدول الإفريقية في ظروف أخرى تهرع نحو الولايات الأمريكية و بالتالي نحو إسرائيل. لكن الحقيقة التي ظهرت في حينها في العديد من الصحف الفرنسية أن الرئيس الموريتاني المخلوع كان من أكثر المشجعين للعلاقات الطبيعية مع الكيان الصهيوني مقابل حوافز وعده بها الصهاينة على الصعيد الاقتصادي (تبادل تجاري غير متكافئ كانت إسرائيل تعد موريتانيا من خلاله بتزويدها بالعديد من البضائع بنصف قيمتها مقابل تفعيل العلاقات الثنائية على المستويين الدبلوماسي و العسكري) و الحال أن أول بعثة إسرائيلية زارت العاصمة الموريتانية نهاية عام 2003، كانت تضم عدد من الشخصيات الإسرائيلية من بينهم شيمون بيريز.. مواقع موريتانية معارضة على الانترنت كشفت عن تلك الزيارة "السرية جدا" لوفد إسرائيلي إلى العاصمة الموريتانية.
لماذا موريتانيا؟
لم يكن التركيز على موريتانيا صدفة، لأن الصهاينة أرادوا الدخول إلى قعر المغرب العربي، و بالتالي أرادوا تعطيل كل محاولات التسوية التي كانت تسعي إليها ـ عبثا ـ بعض الجهات لأجل إحياء اتحاد المغرب العربي الذي كان سيعطي دفعا قوميا كبيرا بالرغم من النزاعات الدفينة القائمة بين المغرب و الجزائر. لم تكن موريتانيا ظرفا في النزاع بالمعنى الكامل، كانت محايدة بشكل ظاهري، و لكنها في الوقت نفسه كانت تسعى عبر "معاوية ولد الطايع" إلى خلق "أجواء جديدة" ضمن إستراتيجية التعاون المشركة و التي كانت موريتانيا من خلالها تلمح إلى الانفتاح الاقتصادي مع الدول الأخرى، البعيدة جغرافيا، و منها كيان العدو!
فرنسا التي كانت مطلعة من البداية على الأمور لم تعترض على دخول طرف إسرائيلي في المنطقة أو حتى في المغرب العربي أو في شمال إفريقيا باعتبار أنها اعتقدت دوما أن الخيوط في يدها باعتبارها الدولة الاستعمارية القديمة، و أن لها شرعية التواجد ليس على الصعيد السياسي فقط، بل و على الصعيد الثقافي و اللغوي و الفكري بحكم أنها ـ أي فرنسا ـ تضع موريتانيا و الدول المغاربية الأخرى في سياق الدول الفرانكفونية أيضا. السفير الإسرائيلي السابق في موريتانيا" أرييل كرم" ساهم بشكل كبير في إقناع الرئيس الموريتاني المخلوع بأهمية التقارب الموريتاني الإسرائيلي، و أهمية الشراكة مع دول يمكن لإسرائيل الدخول إلى المنطقة عبرهم، مثل قبرص و تركيا و بولندا و شركات استثمارية بريطانية و ايطالية و اسبانية يدريها يهود.
الغريب في الأمر حسب ما نشرته صحيفة لومانيتي الفرنسية بتاريخ30 أيلول/سبتمبر من السنة الماضية أن كيان بتواطؤ شبه مباشر مع العديد من الشخصيات الموريتانية ساهمت في الإطاحة بالرئيس الموريتاني المخلوع "معاوية لد سيد أحمد الطايع".
جريدة "يديعوت أحرنوت " اعتبرت الإطاحة به مهمة قومية، بالرغم من كل ما فعله مع الكيان الصهيوني و برغم من أنه أول رئيس موريتاني فتح البلاد للسلع الصهيونية المغلفة بماركات تجارية أجنية كانت تتداول في الأسواق الموريتانية و المغاربية على حد سواء، السفير الإسرائيلي الجديد في نواكشوط "عازر بوسميث" صرح لصحيفة " يديعوت أحرنوت "أن الانقلابيين الموريتانيين الجدد لن يجازفوا بما حققته موريتانيا و كان المعنى يوحي أن الاتصالات مع الانقلابيين الجدد كانت حثيثة أيضا بالخصوص بعد أن نشرت الصحف الموريتانية نفسها بتبادل رسائل التهنئة بين القيادة الموريتانية و إسرائيل بمناسبة تنصيب القيادة العسكرية الجديدة على رأس الجمهورية الإسلامية الموريتانية. ليس هذا فقط، بل أن "عازر بوسميث" يساهم شخصيا في "مجموعة" نشطة تسعى إلى الإصلاح في موريتانيا (!!!) عبر دعم مشروع الإعلام و مشاريع ثقافية أخرى.
بيت السفير في العاصمة نواكشوط تحول إلى منتدى للاتقاء بين العديد من الشخصيات الفكرية و الإعلامية الموريتانية و منتدى "للفكر الحر" كما وصفته نفس الصحيفة الإسرائيلية..
لعل الذين تابعوا "تاريخ" السفير الإسرائيلي الحالي يدركون أنه كان هو نفسه صحفيا في جريدة " يديعوت أحرنوت " كما عمل لحساب صحف أخرى مراسلا في دول أوروبية، منها اسبانيا و فرنسا و بلجيكا.
اعتقلته السلطات الفرنسية في نهاية التسعينات بتهمة "القيام بأعمال منافية" و كتبت صحف فرنسية يسارية أن التهمة كانت التجسس، و كشف موقع "كونفيدانسيال" الفرنسي على الانترنت أن "عازر بوسميث" ضابط في الاستخبارات الإسرائيلية ( الموساد) و أن الصحافة التي مارسها كانت مجرد غطاء وظيفي لوظيفة أخرى يقوم بها بحيث أن طرده من فرنسا و اسبانيا كان بسبب تلك المهمات القدرة التي ضـٌبط يمارسها. هذا الصحفي الذي تحول إلى سفير لكيان العدو في موريتانيا عمل منذ وصوله إلى "إقامة" علاقات "طيبة !" مع عدد من الشخصيات العسكرية و الإعلامية و الثقافية في نواكشوط، حول بيته إلى منتدى، أشبه ما يكون الأمر بصالون أدبي يجتمع فيه الجميع حول مائدة الصهيونية الدبلوماسية..
و الحال أن صحف كثيرة تكلمت في الآونة الأخيرة عن عمليات رشوة و فساد تورط فيها السفير الإسرائيلي، في أخطر قضية انفجرت في الآونة الأخيرة مفادها أن "عازر بوسميث" يهدي لأصدقائه نساء يهوديات و هدايا تصل إلى آلاف الدولارات مقابل تأييد الوجود الإسرائيلي في موريتانيا، و تأييد التطبيع الكامل و غير المشروط مع تل أبيب بما فيه التطبيع العسكري، الذي يعني إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية "تهدف لتدريب الجيش الموريتاني" و مساعدة الجمهورية الموريتانية على إقامة جيش قوي !!
صحفي موريتاني نشر تقريرا عبر موقع "كونفيدانسيال" كشف أن حي "تفرغ زينه" الراقي الموجود في العاصمة الموريتانية نواكشوط يضم العديد من الشقق التي اشتراها "عازر بوسميث" يفتحها "لأصدقائه الموريتانيين" من الجيش و الإعلام و الثقافة لقضاء ليال حمراء مع نساء إسرائيليات جلهن مجندات في الموساد الإسرائيلي، حيث يتم التقاط صور فيديو خليعة وفي أوضاع مخلة، يتم بموجب تلك الصور و مقاطع الفيديو تهديد "المتورطين" إن لم يعملوا لصالح "رغبات" السفير التي تصب كلها في نفس سياق التوريط الكامل في قضايا جنس و مخدرات و تبييض الأموال، و الحال أن التهديد بالفضيحة تبقى الطريقة الفضلى لعمل السفير الإسرائيلي في موريتانيا، و هو ما يفسر خضوع العديد للأمر الواقع بانغماسهم في ثلة "عازر بوسميث"...
نفس الموقع ذكر أن سبب توريط الشخصيات الموريتانية في عمليات مخالفة يندرج في سياق المساومة لأجل الحصول على معلومات عسكرية مكثفة و على "تجنيد" هؤلاء ليكون عين "عازر" في عدد من الأجهزة الحساسة في الدولة، و ليس هذا فقط، بل بعض الشخصيات الموريتانية المتورطة في "شقق عازر" لها علاقات "أكثر من جيدة" مع أحزاب معارضة في عدد من الدول المغاربية و العربية عموما، و هو ما يعني أن المعلومات التي يراد تحصيلها تفوق الحدود الموريتانية نفسها..
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018