ارشيف من : 2005-2008
المجاعات المزمنة في إفريقيا
كتب توفيق المديني
في ظل تعمق الأزمة التي تعصف بكل من كينيا ، و الصومال ، و إثيوبيا ، يظل خطر المجاعة قائما بصورة دائمة في عدد من المناطق الإفريقية.وكل إفريقيا الشرقية متجهة أنظارها نحو السماء، في انتظار هطول الأمطار، إذ إن موسم الأمطار يمتد من شهر آذار/مارس إلى شهر نيسان/أبريل. و في حال استمرار الجفاف ، فإن 12 مليون شخصا سيشهدون تدهورا حقيقيا في أوضاعهم المعيشية.فهؤلاء الأشخاص يعيشون بين إريتريا و بوروندي، ولكنهم متمركزون بصورة رئيسة في كينيا، و أثيوبيا ، و الصومال ، ويعانون منذ عدة أشهر من التأثيرات المدمرة لجفاف بدأ على الأقل منذ سنتين، و يبدو أنه الأكثر خطورة منذ عقد من الزمن، من دون الذهاب حتى الوقت الحاضر إلى المجاعة.
في قلب موجة الجفاف التي تهدد قسما من شرق إفريقيا ، فإن الكارثة الإنسانية الأكثر خطورة تتموقع في الصومال. فهذا البلد الذي يعيش من دون حكومة منذ اندلاع الحرب الأهلية منذ خمس عشرة سنة مضت، يجد نفسه في مواجهة التأثيرات المتزامنة لموجة جفاف خطيرة، وحركة نزوح سكان، و صعود قوي للعنف مادام مسار السلام بين الأطراف المتحاربة هو هش.وفي المجموع هناك 1،7 مليون شخصا مهددون من قبل أزمة غذائية خطيرة ، يضاف إليهم 400000 مهجرا بسبب الحرب الأهلية.و الحال هذه ، فإن أكثر من مليونين من الصوماليين سيكونون عرضة للمجاعة ، من بينهم عدد كبير من مربي الماشية ، الذين تضخمت قطعانهم في السنوات الماضية.
و كانت الدياسبورا الصومالية ترسل أموالا بقيمة 500 مليون إلى مليار دولار لأهاليها في الصومال ، حيث تستخدم هذه الأموال في شراء الحيوانات (إبل ، غنم ، أبقار الخ)بوصفها أفضل استثمار، لكن مع الجفاف، تحول هذا الازدهار إلى كارثة. ونظرا لعدم وجود المياه فقد أصبحت الماشية في وضع مقلق للغاية ، الأمر الذي قاد إلى هبوط حاد في أسعارها بنحو 80%. و في ظل عدم نزول الأمطار في شهر أبريل ، فإن مجاعة حقيقية ستحل بهذا البلد من الان وحتى وقت قصير، حسب تقديرات منظمة التغذية و الزراعة (الفاو).
و لكن ماهي المجاعة ؟
هنا التعريفات تبدو غير ثابتة و عائمة أحيانا، بحسب أوضاع "الأزمة الانسانية " المعلن عنها إلى حد ما ، و صيحات الإغاثة التي تطلقها المنظمات غير الحكومية المتخصصة على مدى فترات منتظمة. وقد فضلت منظمة الزراعة و التغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) اعتماد معيار محدد. و حسب نيكولاس هان ، خبير أحد أجهزة الفاو المكلف بالتنبىءللأزمات الغذائية في الصومال ، تبدأ المجاعة عندما تكون من أصل مجموعة بشرية يقدرها عددها بنحو 10000 شخصا ، نسجل أربع حالات وفاة يوميا مرتبطة بالنقص في الغذاء.و لم يصل شرق إفريقيا إلى هذه الحالة، و لكن إذا لم تنزل الأمطار هذه السنة ، فإن عدة مناطق ، بدءا بقسم من الصومال يمكن أن يدخل في أزمة خطيرة.
و تتمثل مهمة الفاو ، من خلال نظام إنذارها المبكر، إخطار المجموعة الدولية بالمصاعب التي يواجهها بلد ما.و يلعب البرنامج العالمي للتغذيبة التابع للأمم المتحدة دورا رئيسا في عمليات الإنقاذ.ففي سنة 2004 قدم برنامج الغذاء العالمي مساعدات لأكثر من 113 مليون شخصا في 80 بلد.و تم توزيع 5،1 مليون طن في إطار عمليات الإغاثة بقيمة 3،1 مليار دولار. و حول هذا المبلغ : 1،5 مليار دولار يمثل تكلفة المواد الزراعية ( المشترية أو المتلقية كهبات) و أكثر من 800 مليون دولارتكلفة إيصالها.و بشكل عام ،يقدر الخبراء أن طنا من المساعدات الغذائية يقدم لبلد في أزمة يكلف 400 دولار. و يتجه مستوى المساعدات نحو الانخفاض. فمساعدات القمح التي تمثل النسبة الأكبر من المساعدات ، بلغت 7 مليون طن في سنة 2004، و هي أقل من النصف مقارنة بعقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث انتقلت المساعدة للفرد الواحد من إفريقيا – التي تحتل المرتبة الأولى في تلقي المساعدات –من 10 كيلوغرامات إلى 3،7 كيلوغرامات . و في سنة 2004، كانت البلدان الرئيسة الخمسة التي تلقت مساعدات غذائية هي العراق، وإثيوبيا، و كوريا الشمالية ،و زيمبابوي، و بنغلاداش.
ويقدر عدد الأشخاص في سنة 2002،الذين يعانون من نقص التغذية في العالم بنحو 852 مليون حسب إحصائيات منظمة الزراعة و التغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) المنشورة في سنة 2005.و سوء التغذية هي ظاهرة ريفية ،بما أن 75% من الأشخاص الذين يعانون منها يعيشون في الأرياف.
وقد عرفت القارة الإفريقية تدهورا خطيرا في أوضاعها الغذائية خلال العقد الأخير ،على نقيض كل المناطق في العالم.و ليست قلة الأمطار هي العامل المسؤول الوحيد عن هذا التدهور، بل إن قائمة الأسباب تطول .
إن القطاع الزراعي في العديد من البلدان الإفريقية عانى من الإدارة السيئة و فساد الحكومات، و في الوقت عينه من النقص الفادح في مصادر التمويل والخبراء.فهناك برامج بالكامل للتنمية الريفية ألغيت تحت تاثير "برنامج الإصلاح الهيكلي " المفروض من قبل صندوق النقد الدولي بداية من عقد الثمانينيات من القرن الماضي.كما أن جهود الدول المانحة انخفضت كثيرا.فالزراعة لم تعد تستوعيب سوى 2% تقريبا من المساعدات المتعددة الأطراف في سنة 2002 مقابل 30% في سنة 1980.و الجهود لم تكن متركزة على البلدان التي تعيش أوضاعا صعبة.فالبلدان التي يعاني 5% من سكانها من سوء التغذية تحصل ثلاث مرات من المساعدات عن كل عامل زراعي أكثر من البلدان التي يعاني 35%من سكانها من المجاعة.
إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من كثرة مجاري الأنهار، فإن إفريقيا هي القارة الأقل مروية في العالم. و تعتبر المؤسسة الدولية للبحث في السياسات الغذائية أن 72% من الأراضي الصالحة للزراعة و 31% من المراعي هي "متردية". و فضلا عن ذلك ، فإن المساحة الصالحة للزراعة للفرد الواحد قد انخفضت بنحو 24،5% بين 1980 و 1993. و أخيرا ، كانت إفريقيا مجبرة على مواجهة ثلاثة عوامل خطيرة بوجه خاص.
أولا: بلوغ إفريقيا رقما قياسيا في النمو الديموغرافي.فما بين 1975 و 2005، تضاعف عددسكان القارة الإفريقية أكثر من الضعفين ، منتقلا من 335 إلى751 مليون نسمة . و حتى مع انخفاض معدل الخصوبة منذ عقد التسعينيات ، فإن القارة مطالبة بإيواء 1،8 مليار نسمة في عام 2050.
ثانيا:لقد عرفت إفريقيا أوضاعا غير مستقرة مهمة خلال العقود الثلاثةالأخيرة. فقد قام رئيس المفوضية للإتحاد الإفريقي، الرئيس المالي السابق ألفا عمر كونوري، بجرد حساب: لقد كانت إفريقيا مسرحا لنحو186 انقلاب عسكري ، و 26 حربا أهلية ،خلال الخمسين السنة الماضية.و يوجد في القارة الإفريقية 20 مليون لاجىء.
ثالثا :إن انتشار مرض الإيدز الذي فتك برؤساء العائلات في الأرياف ، أحدث اضطرابا في الإنتاج الزراعي.
ومع ذلك ، فإن هذه العوامل كلها لا تحدد كليا الأوضاع "الكارثية " التي تطفو على مدى فترات منتظمة.فهناك آليات أخرى كانت المتسببة في أوضاع الأزمة الغذائية، بدءا من استخدامها لإغراض سياسية.إن " المجاعة " يمكن أن تستخدم لطمس المشاكل وضمان دخل منتظم في آن معا.و تعد إثيوبيا و احدة من بلدان المنطقة التي تجيد استخدام هذا الأسلوب.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018