ارشيف من : 2005-2008
القاعدة الأمريكية في قرغيزيا خلية معادية لا بد من إغلاقها
كتب طه عبد الواحد
القيادة القرغيزية تطالب واشنطن بإخلاء قاعدتها الجوية في مطار ماناس القرغيزي، أو أن توافق على مضاعفة ما تدفعه لقرغيزيا مقابل استخدام هذا المطار من مليونين إلى مئتي مليون دولار..
عندما أعلنت قمة شنغهاي عن مطالبتها للقوات الأمريكية بالانسحاب من بعض جمهوريات آسيا الوسطى التي أقامت فيها قواعد في إطار الدعم للعمليات العسكرية في أفغانستان، سارعت أوزبيكستان إلى التأكيد على هذا المطلب وأمهلت الولايات المتحدة مدة 180 يوم لسحب قاعدتها من الأراضي الأوزبيكية حسب نص الاتفاق بين الجانبين الذي يسمح للقيادة الأوزبيكية بذلك عند الضرورة. أما قرغيزيا، الجمهورية الثانية التي افتتحت واشنطن فيها قاعدة جوية أثناء الحرب على نظام طالبان، فلم تحذو حذو أوزبيكستان، واكتفت بالإشارة إلى أنها ستجري مفاوضات مع الجانب الأمريكي لسحب قواته من أراضيها.
وكانت الولايات المتحدة قد افتتحت قاعدة جوية لها في مطار ماناس العسكري بالقرب من العاصمة القرغيزية بشكيك بحجة تقديم الدعم اللوجستي للعمليات العسكرية في أفغانستان، وبعد انتهاء عملياتها هناك، وعلى الرغم من إعلان البيت الأبيض عن نجاح تلك العملية وبدء نشر الديموقراطية في أفغانستان، حافظت واشنطن على قواعدها في آسيا الوسطى. وبعد قمة شنغهاي صيف العام الماضي 2005، بدأت واشنطن بسحب قاعدتها الجوية من أوزبيكستان، أما القاعدة الجوية في قرغيزيا فلم تُغلق نظراً لمجموعة أسباب لعل أهمها أن القيادة القرغيزية حينها كانت قد انتهت للتو من إعادة بناء ذاتها بعد (الثورة) التي أطاحت بنظام حكم الرئيس عسكر آكايف وأتت ببكايف إلى قمة السلطة، أي إنها لم تكن قادرة بعد على الاهتمام بالسياسة الخارجية وركزت جل اهتمامها على إعادة الاستقرار إلى البلاد.
الآن وبعد مضي قرابة العام على القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي، عادت قرغيزيا إلى البحث في موضوع القاعدة الجوية الأمريكية من منطلق (إذا كنت غير راغب بتزويج ابنتك فأطلب مهراً خيالياً). إذ أعلن الرئيس القرغيزي أن مستقبل القاعدة الأمريكية في بلاده سيقرره البيت الأبيض برفضه أو قبوله لدفع مبلغ 207 مليون دولار سنوياً مقابل تواجد قواته في مطار ماناس العسكري، ما يعني أن قرغيزيا تطالب واشنطن برفع السعر مئة مرة، فهي كانت تدفع سابقاً أكثر من مليوني دولار بقليل مقابل استخدامها الأراضي القرغيزية.
ويرى البعض من المحللين أن القيادة القرغيزية تطالب برقم خيالي يُراد منه دفع واشنطن إلى التخلي عن قاعدتها في ماناس، حرصاً على تمسك كورمان بيك باكييف بما أكده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن (الصداقة الأبدية) بين البلدين. فقرغيزيا مهتمة بتطوير علاقاتها مع روسيا لاسيما وأن هذه العلاقات لا تهدد بجر البلاد إلى مغامرة عسكرية مثلما هي الحال مع علاقاتها بالولايات المتحدة. كما أن الحفاظ على التعاون العسكري والاقتصادي بين قرغيزيا وروسيا يشكل عنصر استقرار رئيسي وهام للأوضاع في هذه الجمهورية. وهي نتائج لا يمكن توخيها من علاقات مع الولايات المتحدة على حساب العلاقة مع روسيا، والأغلب أن القيادة القرغيزية تراقب اليوم الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها جمهوريات (الدمقرطة) مثل جورجيا وملدافيا من أزمات اقتصادية ناجمة عن قرارات روسية بمنع دخول منتجات هذه الجمهوريات إلى الأسواق الروسية، ورفع أسعار الغاز الروسي لها قبل ذلك. بالمقابل فإن تبني هذه الجمهوريات لنهج الموالاة للغرب لم يساعدها على مواجهة أزماتها، والغرب بشقه الأوروبي لا يرغب بتوتير علاقاته مع الدولة الروسية التي تزوده اليوم بالقسم الأكبر من الطاقة الغازية، المحرك الرئيسي للحياة في أوروبا. وبهذا تكون جمهوريات الثورات الملونة وحيدة في مواجهة أزماتها دون حصولها على أي دعم من العرب الذي توجهت لتعلن له الولاء.
قرغيزيا لا ترغب بتكرار التجربة وتفضل على ما يبدو الحفاظ على علاقاتها التاريخية مع روسيا، ومن هنا يُتوقع أن تمضي قدماً بالضغط على الإدارة الأمريكية كي تتخذ الأخيرة قراراً بإخلاء قاعدتها الجوية هناك، ليبدو الأمر وكأن واشنطن هي السبب في الوصول إلى هذه النتيجة لأنها رفضت التعامل مع قرغيزيا وفق اللوائح الدولية التي تحدد قيمة كل هكتار من أراضي أجنبية تستخدمها دولة أخرى لنشر قواتها العسكرية فيها.
في غضون ذلك هناك من يعتقد أن واشنطن ستوافق عاجلاً أم آجلاً على الشروط القرغيزية، نظراً لأن قاعدة ماناس هي الأخيرة لها في منطقة آسيا الوسطى، وهي مشرفة على الصين، إضافة إلى أن هذه القاعدة قد تشكل نقطة ارتكاز جوية هامة للقوات الأمريكية في حال القيام بأي عمل عسكري ضد إيران. في هذا الشأن أكد وزير الخارجية القرغيزي أن (القاعدة العسكرية الجوية الأمريكية العاملة في إطار قوات التحالف ضد الإرهاب لا يمكن أن تُستخدم في حال حدوث نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران)، وذكر بأن مهمة هذه القاعدة تشمل العمليات في أفغانستان فقط. من جانب آخر فإن قرغيزيا العضو في منظمة شنغهاي لن تسمح باستخدام أراضيها ضد إيران التي حصلت على صفة عضو مراقب في المنظمة مع احتمال حصولها قريباً على صفة عضو دائم. وأخيراً فهي لن تقوم بعمل يهدد علاقاتها بالجارة الكبرى الصين، ويوترها مع روسيا.
على ضوء ما سبق يبدو أن التواجد الأمريكي في قرغيزيا في الفترة الحالية غير مجد، لكن قد يكون لواشنطن رؤية مختلفة لمستقبل المنطقة تجعلها بحاجة إلى الحفاظ على قاعدة ماناس مهما كان الثمن باهظاً، ولهذا ينصح أكثر من محلل وخبير بشؤون المنطقة وبالشؤون الاستراتيجية، القيادات القرغيزية والروسية والصينية العمل من أجل إخلاء المنطقة من خلية ذات طبيعة عدوانية لا مبرر لوجودها في منطقة آسيا الوسطى!
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018