ارشيف من : 2005-2008
اليمين و اليسار يدّعيان الفوز في الانتخابات الرئاسية 4/7/2006
كتب توفيق المديني
الاضطراب، والتناقضات، والغموض، تلك هي الحالة التي عليها المكسيك، بعد أن أجريت الا نتخابات الرئاسية يوم الأحد الماضي ، في ظل انقسام البلاد إلى يمين ويسار، وبعدما أعلن المرشحان في انتخابات الرئاسة فوزهما، وسط تقارب كبير لنتائج فرز الأصوات .
منذ عقد من الزمن، كان رئيس الدولة يعين خليفته، لكن ها هي المكسيك اليوم تدخل في مرحلة من الشك الديمقراطي ، بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات فارق واحد في المئة بين المرشحين، وهو ما يفرض وفق القانون المكسيكي إعادة فرز الأصوات. وأعلنت السلطات الانتخابية أن تعدادًا جديدًا لأصوات الناخبين الـ42 مليونا سيبدأ غدا، على أن يستمر بضعة أيام.
هذا الوضع لم يمنع المرشح اليساري عن حزب "الثورة الديموقراطية" اندريه أوبرادور، 53 سنة، إلى إعلان فوزه مشددًا على أن هذه النتيجة "لا يمكن أن تتغير" ووفقا للأرقام المتوافرة "لدينا فزنا بالانتخابات الرئاسية متقدمين بخمسمائة الف صوت على الأقل". وأكد اوبرادور أنه سيحترم ما ستقرره هيئة الانتخابات الفيدرالية لكنه دعا في الوقت ذاته مناصريه إلى الاحتفال بالنصر في العاصمة.
وبالمقابل أعلن منافسه ومرشح الحزب اليميني "العمل الوطني" الحاكم فيليب كالديرون، 43 سنة، فوزه مستعرضًا سلسلة من استطلاعات رأي الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع تظهر تقدمه وختم بقوله "لقد فزنا في الانتخابات الرئاسية". ولم يقر الحزب الثوري الدستوري الذي ينتمي إليه المرشح الثالث روبرتو مادراسو، 53 سنة، كذلك بالخسارة.
وقد يستغرق الفرز النهائي للأصوات عدة أيام، الأمر الذي عزز المخاوف من دخول البلاد في أزمة سياسية واحتجاجات في الشوارع. وستثير أي اضطرابات محتملة قلق الولايات المتحدة التي تعتمد على مساعدة المكسيك في تأمين حدودها ومواجهة مشكلة المهاجرين بشكل غير مشروع وعصابات تهريب المخدرات.
في عام 2000، أنهى فنسنت فوكس المحافظ 71 عاما من الحكم المتواصل للحزب الثوري الدستوري (يسار الوسط) الذي تأسس في عام 1929 ، عبر انصهار المنظمات المنبثقة من الثورة المكسيكية التي اندلعت عام 1910، والذي انتشرت في ظل حكمه ثنائية الفساد والاستبداد. فأحدثت خسارته أملا كبيرا بإحلال الديمقراطية في البلاد. ولم تتمتع المكسيك بنظام ديمقراطي إلا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت قبل ست سنوات، ولا يزال الحزب الثوري الدستوري يسيطر على 17 ولاية من أصل 52 ولاية مكسيكية، وهو ممثل في البرلمان بنحو 209 نائبا من أصل 500 نائبا .
وبموجب دستور البلاد، يحظر على فوكس الترشح لفترة أخرى، ونظرًا لعدم تمتع الرئيس فنسنت فوكس(حزب العمل الوطني الكاثوليكي والمحافظ، والذي تأسس عام 1939)، بأغلبية برلمانية، فإنه لم يتوصل إلى إقرار الإصلاحات الموعودة. ويفسر لنا غياب الحلول للمشاكل التي تعاني منها المكسيك بدءا من التوظيف، توجه البلاد نحو اليسار. فعندما كان السيد اندريه أوبرادور رئيس بلدية العاصمة مكسيكوالتي يقطنها 18 مليون نسمة، في الفترة من 2000 الى 2005 حيث كان يتمتع بشعبية كبيرة وهو يقدم نفسه على أنه قريب من الشعب ويريد أن يطرح بديلا عن الحكومات الأخيرة التي سمحت برأيه في إثراء اقلية على حساب الطبقات الفقيرة، أقر برنامجين : الأول لمساعدة المسنين أو المعوزين، والثاني انتهاج سياسة إنجاز المشاريع الضخمة التي تشجع التوظيف.فهو بذلك، كان يجسد التطلعات الشعبية نحو التغيير الاجتماعي.
ويتموقع اندريه أوبرادورفي تقاليد اليسار للحزب الثور الدستوري الذي انتمى إليه لفترة طويلة. وقد تعهد اوبرادور مرشح (حزب الثورة الديمقراطية الذي تأسس في عام 1989 عبر انشقاق حصل في الحزب الثوري الدستوري، و اندماج عدة أحزاب صغيرة شيوعية واشتراكية، وعدة منظمات اجتماعية)، بوضع حد للامتيازات المقدمة للأنياء وخفض أجور كبار الموظفين وإنعاش الاقتصاد من خلال سياسة مشاريع ضخمة في كل أنحاء البلاد. ويقول اوبرادور إن المشاريع التي يقترحها وخفض نفقات المؤسسات الحكومية ستحد من تدفق المكسيكيين الفقراء على الولايات المتحدة بحثا عن فرص عمل.
ومع ذلك، من الصعب جدا أن يطبق اوبرادورالنموج الوطني والشعبوي الذي هيمن في أمريكا اللاتينية طيلة القرن العشرين. فالخصخصة الرأسمالية في المكسيك قطعت أشواطا كبيرة، ولا يستطيع السيد لوبيز أوبرادورأن يتراجع عنها. والاقتصاد المكسيك ليس تابعًا، لكن اليسار يمكن أن يعتمد دائما على النفط، والمشاريع العمومية الكبيرة، ورؤساء المصانع أمثال الملياردير صديق اليسار كارلوس سليم، البالغ من العمر 66عاما، والذي يحتل المرتبة الثالثة في سلم الشخصيات العالمية الأكثر ثراء، إذ تقدر ثروته بنحو 30 مليار دولار.
ويطالب مرشح اليسار لوبيز اوبرادور بإعادة فتح الملف الزراعي لاتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الشمالية، المعمول بها منذ عام 1994. وهو يركز على تدخل الدولة لمقاومة الفقر، ويهدد بمعاقبة "المافيا" المتكونة من كبار رجال الأعمال ومدراء البنوك الذين أثروا بسبب استغلال علاقتهم بالدولة. لكن السيد لوبيز ليس هوغو شافيز الرئيس الفنزويلي فلا توجد في قاموسه السياسي، لا مزايدات، ولا مواجهات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل البحث عن إقامة علاقات متوازنة.
أما مرشح الحزب الحاكم كالديرون فيدعو الى "التغيير مع الاستمرار في خط "سلفه الذي اطلق عملية إحلال الديمقراطية ويترك الحكم مع اقتصاد مستقر ومؤشرات اقتصادية جيدة لكن وسط تباين كبير بين الطبقات.
ومهما يكون الرئيس الجديد، فإنه سيتولى مهامه في الاول من كانون الاول/ديسمبر المقبل وسيكون التحدي الاكبر الذي سيواجهه مكافحة الفقر الذي يطال نصف سكان البلاد البالغ عددهم 103 ملايين، فضلا عن غياب الامن. وفي حال فاز اوبرادور، فانه سيشكل انتصارا جديدا لليسار في اميركا اللاتينية لكن هذه المرة عند ابواب الولايات المتحدة. وتحكم البرازيل والارجنتين وفنزويلا وبوليفيا والاوروغواي وكوبا حكومات من اليسار او اليسار الوسط. اما في حال فاز كاديرون، فسيبقى حزب العمل الوطني في الحكم بعدما أزاح عن السلطة قبل ستة اعوام الحزب الثوري الدستوري الذي حكم البلاد من 1929 الى 2000.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018