ارشيف من : 2005-2008

قهر

قهر

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1124 ـ 26/8/2005‏

قهر متعدد تعيشه عائلات ثلاث من الشخصيات العامة، وتعيشها معهم فئات أوسع من أبناء الشعب اللبناني على امتداد ما يقرب من ثلاثة عقود.‏

قهر الخاطف ـ الجلاد الذي يزهى اليوم بجسور "المذلة" التي يربطها مع العدو السابق في واشنطن، قهر المجتمع الدولي الذي يدّعي عولمة حقوق الانسان وفتح السجون وضرب الدكتاتوريات، وإذا به يحتفي بالخاطف ليزفه بطلاً للحقيقة، وربما غداً يعطى جائزة نوبل، وتغفر كل ذنوبه بعدما غيّر جلده وجلد أمته، وباع هويته العربية والاسلامية، واشترى بكل ذلك رضا جورج بوش وكونداليزا رايس، وقهر العرب الذين لم يكترثوا بتغييب شخصية كبرى طالما كرّست حياتها لقضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين المحتلة، ووحدة مصيرها، ولمّ الشمل والدفاع عن كل مستضعف ومقهور منهم.‏

وقهر اللبنانيين الذين لم يعبأوا (فعلياً وليست من باب المجاملة بهذه الجريمة) جريمة احتجاز وتغييب رئيس احدى طوائفهم، وزعيم وطني كبير، ودعامة ضرورية من دعائم وحدة وطنهم مع رفيقين لبنانيين آخرين، بحيث لم يشهد لبنان جهداً فعلياً لجلاء حقيقة الاختطاف، ولا أخذت المسألة على محمل الاحترام أو الوفاء لهذه الشخصية ومن معها ولأحبائهم.‏

نشهد الآن للأسف جهداً متكاملاً لتبرير العمالة ولتبرئة أساطين مجرمين من العملاء بعضهم يحمل الجنسية الاسرائيلية، وتسخر منابر طائفية دينية وإعلامية لخدمة التبرير والتبرئة، حتى ولو كان ذلك على حساب الوطن ومفهوم الخيانة وانتهاكاً للدستور ووثيقة الوفاق، ولو كان ذلك على حساب الوحدة الوطنية، وفيه اساءة لمشاعر غالبية ابناء الوطن، وتحدّ سافر لرابطة العيش المشترك والانصهار الوطني.‏

لكننا لم نشهد عُشر مثل هذا الجهد لجلاء قضية الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، برغم الرمزية الوطنية الكبرى للإمام ورفيقيه ولقضيتهم.‏

أليس قهراً لفئات واسعة من اللبنانيين ان تعامل هذه القضية بهذا الازدراء من الدولة والفئات المختلفة في المجتمع اللبناني، وكأن الإمام ومن يمثل صنف آخر من اللبنانيين، من الدرجة الثانية او الثالثة أو حتى العاشرة.‏

من الطبيعي والحال هذه ان تشعر فئة من اللبنانيين باللامساواة، وبالتمييز من الداخل قبل الخارج، وكأن قضية الإمام أقل من حادث مرور يؤدي الى تظاهرات ومطالبة بتحديد مسؤوليات، وأخذ اجراءات ردعية أو عقابية.‏

هل لهؤلاء أن ينتظروا 27 عاماً لكي تأتي حكومة تضع مشكورة، برغم واجبها، في بيانها الوزاري قضية التغييب الثلاثية كإحدى اولويات المتابعة لجلائها.‏

وهل لهم ان يتساءلوا ان لو كان المخطوف زعيماً لفئة أخرى، ألم يكن للدولة والمجتمع أسلوب آخر في المعالجة؟ هل عدة أطنان من التفاح أو التصديرات الأخرى مانعة لإعلان موقف لبناني جماعي يجسد الكرامة الوطنية دفاعاً عن انسان ينتمي لهذا الوطن قبل ان يكون رمزاً لفئات كبيرة وعاملاً في سبيل الوطن ككل.‏

مستحيل أن يشعر لبناني شريف بالحرية او السيادة طالما لم تُجل حقيقة تغييب الإمام الصدر والشيخ يعقوب والصحافي بدر الدين، انها قضية تمس الكرامة الوطنية والانسانية، وتجعل كل اللبنانيين يعيشون سنوات من الخجل... والقهر.‏

د.حسين رحال‏

2006-10-30