ارشيف من : 2005-2008

الشارونيون

الشارونيون

الانتقاد/ على العهد - 1128- 23 أيلول/ سبتمبر 2005‏

ثمة مفارقة لا يمكن المرور عنها مرور الكرام، وهي أنه في الذكرى الرابعة والعشرين لمجازر صبرا وشاتيلا، يقوم المجتمع الدولي (أحياناً يسمونه تجاوزاً الشرعية الدولية) بتقديم السفاح القاتل المسؤول عن المجزرة بطلاً للسلام.‏

هي إهانة بحق الإنسانية قبل أن تكون إهانة بحق الضحايا، الذين قد يبلغون وفقاً لبعض التقديرات زهاء خمسة آلاف شهيد، نصفهم من الفلسطينيين، ونصفهم الآخر تقريباً من اللبنانيين.‏

سلسلة من الخطوات السياسية والدبلوماسية التي أُهديت إلى رئيس وزراء العدو آرييل شارون (في المناسبة)، كان أبرزها من دول عربية وإسلامية هي الأكثر اشمئزازاً للنفس وجَرحاً للمشاعر ودوساً للكرامة الإنسانية والعربية والإسلامية.‏

كُرّم شارون السفاح بتقديمه من على منبر أعلى هيئة دولية كصاحب إنجاز سلام دولي يطالب الضحايا من على هذا المنبر برد الجميل والتحية بمثلها والقيام بواجباتهم في تلقي فرصة السلام التي منحهم إياها، وإلا فذنبهم على جنبهم!!‏

وكُرِّم أيضاً عندما منحه الرئيس الباكستاني لقاءً علنياً ومكسباً سياسياً ودبلوماسياً له ولكيانه على خلفية انسحابه من قطاع غزة، حيث ارتكب من المجازر ما لا يقل بشاعة عن مجازر صبرا وشاتيلا.‏

ولم تكن الفرصة لتفوت دولاً عربية شاركت في حفلة التكريم الشارونية علناً وسراً، بدءاً بوزير الخارجية القطري ومسؤوليه مروراً بالأردن ومصر والبحرين.‏

هكذا تتحول أروقة المنظمة الدولية إلى شاهد زور، بل الى غطاء للمجرمين، لتبرئة أنفسهم والهروب حتى من العقاب المعنوي الذي يقضي بإدانة شارون سياسياً ودبلوماسياً، ونبذه باعتباره سفاحاً قاتلاً.‏

بدلاً من ذلك قام شارون ووزير خارجيته شالوم بتوجيه اتهامات من على المنبر الدولي، الى دول أخرى مثل إيران وإلى منظمات مقاومة للاحتلال بالإرهاب والقتل، لينقلب المعنى الحقيقي للقاتل الى "مدّعٍ لكونه ضحية".‏

إذا لاحظنا ذلك مع مرور ذكرى المجزرة في لبنان بإحياء خجول لها، يبدو الأمر كأن ثمة جواً من التواطؤ السياسي الدولي يرمي بثقله على الساحة المحلية، يعززه التجرؤ على مسلّمات دينية وإنسانية، كما ورد في بيان جماعة "حراس الأرز"، الذين سبق أن تباهوا بإنجازهم الوحشي في المشاركة بالمجزرة، ما شكل صدمة للكثيرين، وأعاد التذكير بأجواء الحرب الأهلية وارتكابات العصابات الشارونية بحق اللبنانيين والفلسطينيين.‏

ليست الشارونية الحالية منهجاً صهيونياً فحسب، بل أصبحت طبعة دولية تشمل أمثال شارون في الإدارة الأميركية، وأصدقاءه في العالم ومنه العربي (بما فيه لبنان على غرار حراس الأرز وأنطوان لحد).‏

بهذا المعنى هناك موجة من الشارونية تجتاح العالم بدءاً من واشنطن، برغم ان شارون ومشروعه الأساسي وهو الاستيطان الصهيوني، يشهد مأزقاً كبيراً بفعل صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة. ولعل الانسحاب وتفكيك المستوطنات من غزة يمثل أحد تجليات هذا المأزق وهذا الضمور في المشروع.‏

الشارونيون العرب طبعة خاصة تعتمد تعويض الخارج على نقص الداخل، إذ إن نقص الشرعية في الداخل يُستبدل من قبل هؤلاء بشرعية الرضا الدولي ـ الأميركي، حيث الرضا الشاروني مدخل إلى الرضا البوشي.‏

كاد شارون يصبح نجم الدورة الأخيرة للأمم المتحدة، وموجة كاسحة في الخطاب السياسي و الدبلوماسي الأميركي ـ الإسرائيلي، لولا نفر من القادة المعارضين للهيمنة، ومنهم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، وكذلك الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي سحب الأضواء بسبب تمسكه الواضح بحقوق بلده الوطنية والإسلامية، ومنها حق امتلاك القدرات الاستراتيجية، وعلى رأسها الطاقة النووية للأغراض السلمية، بحيث اغتاظ المهيمنون وأُحبطوا جراء الموقف الحازم والمنطقي.‏

الشارونية والبوشية ليستا قدراً إلا على الضعفاء فاقدي الشرعية الداخلية ومتوسلي الزعامة والكرامة من البيت الأبيض.‏

أما الواثقون من شعوبهم ومن أحقيتهم، فلا مجال للشارونية والبوشية للهيمنة عليهم، والمثال الإيراني في الموضوع النووي خير مثال ونموذج.‏

د.حسين رحال‏

2006-10-30