ارشيف من : 2005-2008
زمن الوصاية
الانتقاد/ على العهد- 1129- 30 أيلول/ سبتمبر 2005
د. حسين رحال
الآمال التي علّقها اللبنانيون على مرحلة جديدة سيسلمون فيها زمام أمورهم على قاعدة التوافق الوطني والدستوري الذي انبثق من وثيقة الوفاق التي ارتضاها اللبنانيون مرجعاً أعلى لهذه الدولة، وحل الخلافات، باتت آمالاً ضبابية تجتاحها بين الحين والآخر موجات التصادم الداخلي، ولحظات التفجير الآثمة المذهلة، وتعثرات متعددة الأبعاد، فتنقلب الآمال تشاؤماً أو أجواء وجل مما سيأتي.
مع ذلك يبقى اللبنانيون مستعدين لتقديم التضحية والصبر والصمود شرط أن يصلوا الى الغاية والنهاية والاستقرار الداخلي الأمني والاقتصادي، والاستقلال السياسي، وتعزيز العيش المشترك لتقديم لبنان كنموذج للتعايش الانساني برغم التنوع الديني، أي مثالاً لحياة في مجتمع متعدد الطوائف والأديان.
لكن هل هذه التضحية ستؤتي ثمارها؟ هل استشهد الآلاف ودمرت المنازل وصبر الأسرى طوال أكثر من 18 سنة من الصراع مع العدو الاسرائيلي، ثم ما تلاها من نموذج حضاري قدمه اللبنانيون عبر المقاومة الاسلامية في الجنوب اللبناني، وما تلا ذلك من مراحل متعددة سقط خلالها شهداء بينهم رئيس وزراء سابق، كل ذلك من أجل ان تعود الدفة الى وصاية تأتينا عبر البحار. هل رفع اللبنانيون شعارات الحرية والسيادة والاستقلال لكي يتحكم سفير دولة غربية بتعيين مدير عام في احدى الوزارات، أو يضع "فيتو" على تعيين وزير هناك، أو يضع تصنيفاً للوزراء والمسؤولين اللبنانيين: من هو خيّر يرضى عنه ومن هو شرير ـ عنيف، يوجه اليه الانتقاد واللوم أمام رفاقه وزملائه.
ثمة خوف على تضييع الاستقلال الحقيقي لمصلحة استقلال شكلي يبدو فيه مندوبو الدول الكبرى أصحاب القرار الحقيقي في صنع الرؤساء والحكومات وتسمية الوزراء والنواب ورؤساء البلديات وموظفي الدولة ورؤساء الأجهزة، وحتى صغار الضباط.
ثمة علاقة حتمية بين بناء دولة ذات سيادة وذات هوية واضحة في الدستور والسلوك السياسي والمؤسسات لهذه الدولة، بحيث يعكس هذا السلوك روح ونص الدستور، وينسجم مع الهوية الوطنية، ويمثل طموحات واتجاهات الشعب.
فما الذي تعكسه الدولة في سلوكها السياسي والأمني والاقتصادي من القيم والانتماءات التي حددها الدستور والمصالح العليا والتاريخ الحالي للبنان. هل المحافظة على عروبة لبنان وانتمائه وتحديد العدو ومخاطره (وهو اسرائيل) تنسجم مع هذا الاستغراق في الاتكاء على الأجهزة الأمنية الاميركية في التحقيقات أو في بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية؟
أسئلة جدية يجب أن نواجهها جميعاً خصوصاً الحكومة التي تبنت الطائف مرجعاً، واقتبست نصوصاً رئيسية منه في بيانها الوزاري منها:
ـ هل يمكن بناء تحالف أمني أو اعتماد أمني على أجهزة مخابرات دولة هي حليف أمني استراتيجي للعدو الاسرائيلي ولجهازه الأمني الذي عمل ويعمل ضد أبناء الشعب اللبناني بكل ما أوتي من قوة؟
ـ هل اتفق لبنان وأميركا على تعريف موحد للمخاطر الأمنية المشتركة حتى يتم بناء مجال عمل أمني مشترك بين (CIAوFBI) من جهة، والأجهزة اللبنانية الأمنية والقضائية؟
بكلام أوضح هل انسجم لبنان مع التعريف الاميركي لأصحاب الأخطار الأمنية الذين يضعهم ضمن قائمة الارهاب، أم أن لبنان هو الذي بات الأقرب الى النظرة الاميركية التي لا تميز الارهاب عن المقاومة.
اذ كيف يكون التعاون في مجال لا اتفاق فيه؟ أما عن طموحات واتجاهات الرأي العام فتبرز أسئلة كثيرة منها هل لم تعد اميركا جزءاً من الحملة على العالم العربي لتقسيمه، ولم تعد حليفة تقدم المساعدات للعدوان الاسرائيلي المستمر على الجنوب اللبناني وبقية اجواء لبنان؟ في وقت لم ينس اللبنانيون دور الـ CIAوFBI في تفجيرات طالت مئات اللبنانيين، وأبرز هذه العمليات الارهابية الاميركية جرت في آذار 1985 في بئر العبد، واستشهد فيها أكثر من 80 من النساء اللبنانيات الخارجات من المسجد بعد الصلاة في محاولة اغتيال آية الله السيد محمد حسين فضل الله، وهي محاولة اعترفت الأوساط الأميركية نفسها بدور المخابرات الاميركية فيها؟
حسناً كيف نكلف القاتل للبنانيين بكشف حقائق لحمايتهم؟
لم يقدم اللبنانيون كل تضحياتهم لنعود الى أمن الوصاية بأي اسم كان.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018