ارشيف من : 2005-2008

أصوات نشاز

أصوات نشاز

الانتقاد/على العهد ـ العدد 1122 ـ 12آب/أغسطس 2005‏

بخلاف ما ظن الكثيرون ما زال لبنان يعاني أزمتي هوية ودور، ذلك أن اتفاق الطائف حسم نظرياً هاتين المسألتين بتكريس الهوية العربية للوطن الصغير والدور الذي يعبّر عن انتمائه لمحيطه العربي الذي لن يكون ممراً ولا مستقراً للاستعمار أو لفتنة ضد جيرانه العرب، خصوصاً سوريا، وبأن لبنان جزء من أمة تخوض صراعاً مع العدو الاسرائيلي، وهو لذلك لا يمكن أن يكون في المقلب الآخر المعادي لأمته، أو في أي تحالف لا يجسد دوره الدستوري الميثاقي.‏

على هذه المسلّمات طوي ملف الحرب الأهلية، ووجهت البنادق الى العدو فقط، وتم التشديد على بسط سلطة الدولة في اطار ازالة الاحتلال وآثاره، أي العملاء، بما لذلك من تحقيق للعدل والعقوبة والمحاسبة السياسية والقضائية.‏

ما يحصل الآن على الساحة اللبنانية يوحي بأن النقاش يريد العودة الى المربع الأول، أي المناقشة في هوية لبنان ودوره، وكأن أدوات "اسرائيل" اللبنانية في الشريط السابق كانت جزءاً في الحرب الداخلية، وليست في اطار حرب ضد الاحتلال المعادي، أي خلط في المفاهيم يتعلق بالمسلّمات الوطنية وليس بالأداء السياسي.‏

هناك التباس وعدم وضوح في خطاب بعض القوى، لكنه التباس قابل للمعالجة في اطار حوار جدي بين قوى وتيارات ذات تمثيل شعبي أو بعد سياسي محلي، لكن ما هو غير مفهوم هو أصوات النشاز "الخاصة" التي تتجاوز فحوى الالتباس الى حدود غير مسبوقة من النكوص على المسلّمات، وحسم الأمور وكأن البلد في العام 1975، أو حتى وكأن لبنان ما زال تحت وطأة مفاعيل اجتياح العام 1982. سياسياً في لحظة النقاش الدائرة يفتح الكثيرون "دكاكين سياسية" جاهزة للبيع على أمل أن يملأوها بأصوات فارغة لا تمثل الا ارتداداتها في سوق دولية محلية تتلقف العروضات المرئية والمكتوبة على طريقة اشهدوا لي عند (الأمير) العم سام وسفرائه ومساعديه وبعض الموظفين الآخرين.‏

أصوات تظن أنها حققت انقلاباً على مضمون اتفاق الطائف، وعلى الهوية العربية للبنان، فيعلوها الخجل من كل ما تحقق ضد العدو الصهيوني، ويقهرها الانتقام من كل المرحلة السابقة، وخصوصاً الايجابيات الوطنية الكبرى التي تحققت.‏

فالعداء لـ"اسرائيل" بات عندهم ذكرى من الماضي، والعلاقة مع العالم العربي صفة مرذولة، والعمالة مهنة موقتة أو دائمة، وليست خيانة بالمفهوم الوطني.‏

انه خلاف على الجوهر وليس على شكليات سياسية، وهو الجوهر الذي حسمه ميثاق الوفاق الوطني، والمس به يعني مساً بالوفاق والوحدة الوطنية. لبنان لن يكون أداة بيد المحور الاميركي ـ الاسرائيلي ضد ابناء أمته العرب والفلسطينيين، ولن يكون دوره ملتبساً أو حيادياً أو رديفاً لما أريد له في أعوام المهانة والالتحاق بالمشروع الأطلسي ـ الاسرائيلي.‏

حتى ولو لعن البعض من هؤلاء الزمن لأنهم خُلقوا في منطقة عربية لأنهم لم يأتوا الى الحياة في بلد آخر يتكلم لغة أجنبية فقط، وحتى لو بدل البعض جلودهم وأطلقوا النار على كل تراثهم وانتقموا من كل رموز العزة والانتصار ضد الكيان الصهيوني في المنطقة، فإنهم متوهمون، فعقارب الساعة لن تعود الى الوراء، والصوت لا يملأ الفراغ حتى لو ظن صاحبه انه قادر على اثارة ضجيج كبير. فإذا كانت اميركا نفسها في مأزق جوهري، فلن يكون بإمكان التابعين تحقيق المعجزات المقلوبة. لبنان سيبقى وفياً لهويته ولأبنائه الشرفاء، ولن يكسب المراهنون على الصدمات والخيبات والغيظ الفتاك، فالصوت النشاز لا يهزم "سمفونية" الحقيقة والتاريخ وطبيعة الأشياء وجوهر انتمائها.‏

د.حسين رحال‏

2006-10-30