ارشيف من : 2005-2008

بداية التحرير

بداية التحرير

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1123 ـ 19 آب/أغسطس 2005‏

لماذا يخشى الجيش الاسرائيلي ان يحتفل الفلسطينيون بالنصر في قطاع غزة؟‏

ويأخذ رئيس أركان العدو قراراً بمنع الاحتفال وتأخير دخول الفلسطينيين الى المستوطنات المفرغة الى ما بعد شهر من الآن؟‏

إنها معركة على الوعي والشعور والوجدان معاً. فقد حاول العدو طيلة خمسة سنوات من عمر انتفاضة الأقصى ان يقنع الفلسطينيين بأن الممانعة والمجابهة والمقاومة لن تجدي نفعاً، وان قوة "اسرائيل" العسكرية قدر محتوم، وأن انسحابه من جنوب لبنان كان استثناءً لن يتكرر، وأن.. وأن... وكانت وسائل الاقناع فائقة العنف، مجازر متنقلة وعلنية في اغتيال للقادة، محاصرة لرموز السلطة، تدمير منازل وأبنية على رؤوس الأطفال بحجة وجود قيادات المقاومة داخلها، استهداف دور العبادة والمقدسات دون وازع، إجمالاً شلالات من الدماء لتأكيد اللاءات.‏

لكن مع بدء الاعتراف بعدم امكان الاحتفاظ بغزة، وتحولها الى معقل للمقاومة، وبداية تشكيل نوع من الردع لحماية المدنيين، وقبيل تكريس معادلة تشابه نسبياً معادلة نيسان 1996 سارع العدو الى التخلص من عبء غزة ومقاومتها، ليتحول الأمر الى واقع مغاير لكل الدعاية السابقة.‏

لقد أثمر الصمود الفلسطيني المثقل بالتدمير والدماء اجباراً للعدو على الانسحاب الاحادي من جزء من الارض، وتفكيك مستوطنات كانت بمثابة بقع مقدسة في الايديولوجية الصهيونية، وبات الوعي الفلسطيني الذي أريد تعليبه بالقوة أكثر قدرة على استيعاب الهزيمة الاسرائيلية. لقد تحققت ثغرة مضادة في الوعي الاسرائيلي الذي شعر بالهزيمة، حتى ولو لم يعترف بها قادة العدو بالفم الملآن، وشعر الفلسطينيون بأولى ثمار صمودهم، ولهذا يريد الصهاينة منع الانتصار لكي لا يتحول الى منطلق لاستكمال الانتصار في الضفة والقدس والاراضي الاخرى المحتلة قبلها.‏

الخشية اذاً من ان يكون النصر المحقق والاحتفال الفلسطيني به تدميراً لخمسين عاماً من محاولة كيِّ الوعي الفلسطيني بإمكانية التحرير بالمقاومة والصمود، وليس بالتفاوض الذليل، كمنهج لمواجهة الاحتلال، وبالتالي تحويل هذا التحرير الجزئي الى شرارة تتوسع عاماً بعد عام.‏

الحرية ولو المحاصرة جواً وبحراً، وربما براً، لها طعم خاص بعد كل هذه المعاناة، ومن حق الشعب الفلسطيني ان يفرح بعد كل هذه المظالم والنكسات، وأن يعيِّد ولو يوماً بعد أيام سود كثيرة، لكن ينبغي الانتباه الى أن ما تحقق ليس الا بداية الطريق، وليس نهايتها، ونحن أمام استحقاقات كثيرة بها أولاً وقبل كل شيء: الحفاظ على النصر داخلياً، وعدم التفريط به، وثانياً العمل بالاستفادة من عبر التجربة السابقة وثغراتها لاستكمال التحرير في النقاط الصعبة والمعقدة الباقية. ان طريق الألف ميل تبدأ بتحرير الميل الأول.‏

د.حسين رحال‏

2006-10-30