ارشيف من : 2005-2008

على العهد:الإسلام المظلوم

على العهد:الإسلام المظلوم

الانتقاد / الافتتاحية ـ العدد 1118 ـ 15 تموز/يوليو 2005‏‏

في الذكرى العاشرة لمجزرة سربرنيتشا التي كان أغلب ضحاياها من أطفال المسلمين، وقتل انتحاري "مسلم" عشرات الأطفال من "المسلمين" (هل هم برأي القاتل مسلمون) العراقيين فيما، قتلة الأطفال الفلسطينيين من جنود العدو يحاكمون شكلاً في محاكم إسرائيلية ليحصلوا على عقوبة هي مخرج لعدم إدانتهم، أي لتشريع فعلي لقتل أطفال فلسطين بالقانون الإسرائيلي.‏‏

هل يراد لتفجيرات لندن التي طالت أطفالاً وكباراً (وربما كان بينهم مسلمون لكن بالتأكيد يسلط الضوء على الغربيين غير المسلمين منهم) وكانما يراد منها ان تغطي إعلامياً على الظلم اللاحق بالمسلمين، ليقدم المسلم على أنه ظالم وقاتل ومفجر مدنيين لا علاقة لهم بالقتال أو العسكر أو حتى بالسياسيين.‏‏

من يدقق باللحظة السياسية لتفجيرات لندن يلحظ كم كانت حاجة أميركية ـ بريطانية لشحن مولدات الحملة المشتركة العسكرية السياسية للبلدين في العالم، وفي الشرق الأوسط تحديداً.‏‏

لو تغاضينا قليلاً عن الأسباب العميقة لهذا التفجير ومنها السلوك السياسي والعسكري للإدارة الأميركية وحلفائها ضد كل قوى التحرير في العالم الإسلامي وخارجه، ودعم الدكتاتوريات، والمساهمة في تخلف التنمية وفي الفساد المستشري في العالم الثالث، لو تغاضينا عن كل ذلك موقّتاً، لنركّز على الحدث بذاته لما استطعنا إيجاد أي تبرير ولو كان واهياً لاستهداف مدنيين أبرياء بالقتل العشوائي المقصود.‏‏

انه عمل مدان بكل المقاييس السياسية والإنسانية والإسلامية والأخلاقية.‏‏

في السياسة أعطى بلير وبوش مبرراً لتعزيز قبضتهم الأمنية والقانونية في بلدانهم، والتضييق على الحريات.‏‏

في الأخلاق والإنسانية لا يحق لأحد قتل إنسان آخر إلا بواسطة سلطة قانونية تحظى بشرعية إصدار القرار لأسباب استثنائية جداً، وبإجماع على آليات اتخاذ القرار وأسبابه ودواعيه.‏‏

ومن ناحية إسلامية الأصل هو السلام، والإسلام هو مصدر للسلام والتواصل السلمي بدءاً بالتحية "السلام عليكم"، مروراً بما قاله هابيل لأخيه "ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك"، أما القتل فهو استثناء كرد العدوان أو استئصال مرض قاتل في نفس إنسان فقد إنسانيته، ومع ذلك فالإسلام لا يشذ عن الحضارات الإنسانية الأخرى في إعطاء هذا الاستثناء لجهات قانونية مجمع على دقتها وعدالتها، ومفوضة من المجتمع بتأمين آليات العدالة لهذا الاستثناء.‏‏

حتى في العلاقة مع المجتمعات الأخرى فالأصل هو السلام، أي الدعوة الى الحق دون قتال، ونشر المبادئ دون فرض، وهو ما كان أكثر ثباتاً كما حصل في شرق آسيا (أندونيسيا وماليزيا) من الناحية التاريخية. أما القتال والحرب فعادة ما كانا نتيجة انتفاء شروط السلام من قبل الآخرين أو دفاعاً عن أرض وإنسان وحقوق توجب كل الشرائع الدفاع عنها.‏‏

إن كثيراً ممن قتلوا في لندن وغيرها كانوا ضد سياسة حكوماتهم الاستعمارية، وتظاهروا ضدها، وصوتوا بخلافها، لكن النظام الانتخابي البريطاني له مثالبه التي لا ينكرها الخبراء، وإذا ما كان من أحد يتحدث عن توجيه عقوبة لحكومة لندن فهو قد عاقب أولاً أناساً أبرياء مسالمين لا يجوز المس بهم، وثانياً عاقب أصدقاء طالما رفضوا العدوان على بلاد المسلمين.‏‏

لم يكن الرسول (ص) يوماً ذباحاً أو سيافاً أو جزاراً يوغل في دماء الأطفال والمدنيين في العراق أو في أي بلد آخر, وما كانت الجرائم التي ترتكب باسمه وباسم الإسلام السمح الذي جاء به ديناً للعالم، مبررة إسلامياً.‏‏

إن العودة الى مبررات تاريخية على طريقة دار الحرب ودار الإسلام غير كافية لفهم العلاقة مع آخر أكثر تعقيداً من أشكال العلاقة التاريخية السابقة حين كان الناس على دين ملوكهم، فالعلاقة الراهنة مع المجتمع المدني في أوروبا هي أفضل من العلاقة مع بعض حكام العرب والمسلمين، بل ان في أوروبا من المؤسسات الأهلية من هو داعم ومؤيد للشعب الفلسطيني أكثر من مسلمين وعرب متواطئين مع الاحتلال.‏‏

نحن بحاجة الى إعادة النظر في رؤيتنا للعالم وللإسلام الذي ندّعي الانتماء إليه. ونحن نسيء الى أنفسنا وديننا إذا ظننا أننا نخدم الإسلام بقتل الأطفال عبثاً، تارة باسم تكفير طائفة من المسلمين، وطوراً باسم دار حرب مستباحة، ونغفل عن أولوية الدفاع عن حقوقنا في فلسطين التي تشهد حرب إلغاء للهوية وللشعب الفلسطينيين.‏‏

إن إرهاب الدولة الأميركي والإرهاب الإسرائيلي يتغذيان من أخطاء (وربما أكثر من ذلك) باسم الإسلام المظلوم. هكذا يقود بوش حربه المقدسة بشعارات الحرية والديموقراطية على جثث مئات الألوف من البشر من أفغانستان الى فلسطين مروراً ببقية بلدان العالم، مدعياً الحرب على "أصولية أخرى" تحمل شعارات مقدسة بدورها، والضحية أطفال بلا ذنب من شوارع غزة وبغداد الى أنفاق لندن.‏‏

د.حسين رحال‏‏

2006-10-30