ارشيف من : 2005-2008
على العهد / انقلاب على الدستور
الانتقاد / على العهد ـ العدد 1120 ـ 29 تموز/يوليو 2005
لا يمكن فهم اثارة البعض العفو عن العملاء بمعزل عن التطورات الأخرى على الساحة اللبنانية، ومنها الدعوة الاميركية ـ الاسرائيلية الى سحب سلاح المقاومة في سياق واحد يعبر عنه القرار 1559 وصولاً الى نقل لبنان الى الضفة الأخرى سياسياً واستراتيجياً، أي الانتقال الى الوصاية الاميركية الخاضعة لمشروع أوسع في المنطقة يضع في اولوياته الأمن الصهيوني على رأس كل الموضوعات الأخرى.
العلاقة بين الموضوعات المثارة كان أول من أشار اليها زعيم العملاء انطوان لحد الذي ربط بين نزع سلاح المقاومة وعودته بما يضفي على هذه العلاقة رمزية مشبعة بالدلالات السياسية والثقافية، فالعميل لحد الذي يفتخر بحمله لجنسية الكيان الصهيوني، وبأنه خدمه أكثر من 20 عاماً، وقاتل (أي قتل من اللبنانيين بالسلاح الاسرائيلي دفاعاً عن سيده)، طوال الفترة الماضية، وأصيب لأجل الكيان الصهيوني، يمثل مرحلة انتجها الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وامتداداً لدويلة اجتياح 1978 معاً، وبالتالي فالطموحات التي يعبر عنها ليست شخصية، بقدر ما هي مؤشر الى عودة الروح الى المشروع الصهيوني في تحقيق الاختراق السياسي للبنان بعدما اخفق الاجتياح العسكري، وكانت ذروة الاختراق في الانتصار اللبناني العظيم في 25 أيار 2000.
نستطيع ملاحظة ذلك في أن أول من طرح ضرورة العفو عن العملاء هم مسؤولون في الكيان الصهيوني كانوا يعلقون على مشكلة لجوء العملاء اللبنانيين وكيفية حلها، هي عودة سياسية وثقافية وليست مجرد شكليات "انسانية". كيف يمكن المواءمة بين التزام اتفاق الطائف وفي الوقت نفسه العمل للعفو عن عملاء يعتبرون بموجب نصوص وروح الميثاق الوطني خونة، وفي خانة الاعداء.
كيف يمكن التزام تطبيق الطائف وتفصيله مع الاصطدام بالموجبات التي يقدمها، ومنها التزام لبنان بالهوية العربية، وكونه جزءاً من الصراع العربي الاسرائيلي، وبدعوة الطائف الى اتخاذ كل السبل والاجراءات لتحرير الأراضي اللبنانية.
لقد حسم اللبنانيون دستورياً هوية لبنان وانتماءه العربيين، وحسم الدستور هوية العدو الذي هو "اسرائيل"، وبالتالي فالتعامل مع العدو هو خيانة للدستور، بمقدار ما هو تسويق للانقلاب على الهوية العربية وعلى الثقافة الوطنية التي ارتضاها اللبنانيون بالاجماع.
ان لبنان كرس منذ أيار العام الفين عروبته بالدم وبالانتصار، ولا يمكن فهم محاولات أنسنة العمالة وتبريرها وتشريعها كسابقة يمكن تكرارها الا كانقلاب على هذا الانتصار، وعلى المضمون الثقافي لهوية لبنان، اي كانتهاك للوفاق والسلم الأهلي والوحدة الوطنية والعيش المشترك.
هل ينطلق هذا التناقض بين الطائف نصاً وروحاً والمطالبة بالعفو عن العملاء ضرورة تعديل احدهما عند البعض، وهنا بالتحديد وثيقة الوفاق الوطني باعتبارها المرجعية السياسية العليا في البلاد.
د.حسين رحال
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018