ارشيف من : 2005-2008

على العهد

على العهد

الانتقاد ـ العدد 1116/ 1ـ تموزـ2005‏

ديمقراطية ذاتية‏

ليس غريباً على الشعب الايراني مفاجآته للعالم فهو عودنا على مفاجأة ما كل فترة من الزمن وأحياناً كل عقد.‏

آخر المفاجآت كانت نتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت محمود أحمدي نجاد، وجرت في ظروف دولية وداخلية حساسة حيث واكبت الادارة الاميركية هذه الانتخابات بمواقف اعلامية استفزازية كان لها صدى عكسي لدى الشعب الايراني، ثم أكملت المسلسل بتصريحات "ثأرية" بعد صدور النتائج.‏

ثمة ديمقراطية تحت الطلب تؤمن بها الادارة الاميركية، فمتى تؤول نتائجها الى من ترغب بهم تعطيها شهادة حسن سلوك "ديمقراطية"، ومتى تأتي نتائجها على غير ما تشتهي واشنطن فتصبح مشككاً بها.‏

ولأن نتائج الانتخابات الايرانية جاءت عكس الرياح الاميركية في المنطقة، كانت الصدمة كبيرة من واشنطن الى تل ابيب، وتحولت الى رد فعل مرتبك لا يستطيع الايغال في نعتها باللاديمقراطية، لأن الاقبال الشعبي في الدورتين الأولى والثانية كان منقطع النظير.‏

قال الشعب الايراني كلمته عكس التيار الاميركي حيث مارست واشنطن منذ العام 2003 والاجتياح العسكري للعراق ضغوطاً سياسية (وعسكرية أحياناً) مباشرة في محاولة لترهيب ايران حكومة وشعباً، ثم جاءت تطورات الأحداث في لبنان وفي فلسطين لتستغلها الادارة الاميركية في حربها لفرض مشروع التغيير الشامل في المنطقة.‏

استخدمت واشنطن كامل آلتها الاعلامية والسياسية في حرب نفسية "جماعية" على الشعوب العربية والاسلامية، تقول لها إن التغيير آتٍ بالقوة إن لم يكن بالآليات الدستورية، وإن هذا التغيير محكوم بالأجندة الاميركية، وإلا فالويل والعار سيلحق بمن لا يلتحق بها سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، وأمثولة الحرب العراقية قائمة.‏

بعض القوى السياسية في الشرق الأوسط انطلت عليها حرب الأعصاب فسارعت الى استغلال الرياح الأجنبية المؤاتية لتغيير توازن القوى الداخلية، لكن الحدث الايراني جاء معاكساً لهذه الرياح، فكانت العوامل الداخلية هي المؤثر في سير النتائج وليس أي جزرة أو عصا اميركية.‏

انها ثقة شعبية ايرانية بالحلول الداخلية الذاتية على حساب اي تدخل خارجي، وهي بشكل أعمق تصويت شعبي بارز ضد سياسة الولايات المتحدة وضغوطاتها لمصلحة شخصية تقول في برنامجها الانتخابي "لسنا بحاجة للولايات المتحدة أو لأي علاقة معها".‏

أعاد الايرانيون الحياة لروح العداء للولايات المتحدة الذي ظهر أيضاً في بيروت في 8 آذار على افواه مليون لبناني هتفوا ضد بوش وادارته.‏

هكذا، تقدم التجربة الايرانية نموذجاً ينبغي تعزيزه من قبل القيادة الجديدة بأن العداء الاميركي سمة أصيلة في الشعوب الاسلامية شرط أن يأتي من يستحق حمل شعاره، أي ان يحمله صاحب مشروع تنموي داخلي يستطيع ان يحمل بيد شعار العداء للأميركي، وباليد الأخرى فصول التنمية الاجتماعية. هي اذاً تجربة تستحق الاحترام، ولكن امامها تحديات كبرى، فالشعوب المستضعفة جاهزة لتقديم الدعم السياسي ضد اميركا (مثلما حدث ايضاً في فنزويلا وغيرها) شرط أن يتماشى ذلك مع تلبية حاجاتها الاجتماعية والمعيشية، لأن الخبز صنو الحرية أمام الاستعمار.‏

سبقت الانتخابات الايرانية انتخابات في العراق جاءت نتائجها في العمق لغير مصلحة واشنطن، لكن الدعاية الاميركية وسلوك بعض الجماعات الضيقة التفكير والدموية، لعبت لعبة تحوير اعلامية لتقديمها كإنجاز اميركي، وفي لبنان حاول جورج بوش ومساعدوه تقديم ما يحدث على أنه ثورة شعبية مدعومة اميركياً، وهو أمر غير صحيح، ولعل في نتائج انتخابات رئاسة مجلس النواب ما يشير الى امتعاض اميركي لعدم القدرة على فرض املاءات لم تجد لها قبولاً، وتوحي بأن ما تريده اميركا ليس قدراً محتماً على الشعوب.‏

الانتخابات الايرانية كانت أكثر وضوحاً في توجيه صفعة الى وجه بوش وإدارته على شكل رسالة شعبية علنية تقول للجميع، نستطيع في هذا الشرق بناء ديمقراطية ذاتية داخلية لا تتأثر بالرياح الاميركية وضغوطها المختلفة.‏

د.حسين رحال‏

2006-10-30