ارشيف من : 2005-2008
على العهد: استحقاقات لا بد منها
العدد 1117 ـ 8 تموز/يوليو 2005
بقدر ما يعلق اللبنانيون من آمال على الحكومة المنتظرة فإنهم يخشون التحديات الكبيرة التي تواجههم في مرحلة من التقاطعات المحلية والخارجية الصعبة والمتعددة الأبعاد.
أول هذه التحديات هو التحدي السياسي، إذ كيف يمكن للبنان الذي يبدو في عين العاصفة الدولية على المنطقة العربية أن يمارس سيادته وقراراته الداخلية بمعزل عن إرادة العاصفة العاتية، وكيف يمكن للبنانيين أن يرخوا قيادهم للضغط المتزايد من الوصايات الدولية المتكاثرة في موضوعات تتعلق بالشأن الداخلي اللبناني، وبالأمن القومي اللبناني، وخصوصاً المطالب الأميركية والدولية المرتبطة بالمصالح الإسرائيلية التي عبر عنها القرار 1559، أو اعتبارات أخرى مماثلة كشكل العلاقة المستقبلية مع العالم العربي، خصوصاً لجهة دور لبنان في الصراع العربي الصهيوني أو العلاقة مع سوريا.
هي إذاً قدرة اللبنانيين على تحدي الضغوطات والمطالب التي ترى الدول الكبرى أن من شأنها فرضها على بلد تدّعي أنها تدخلت دولياً لإيصاله الى المرحلة الراهنة سياسياً وعسكرياً، وتدّعي بالمقابل "حقاً" في تلبية شروطها، ولو كان على حساب التوافق الداخلي اللبناني أو هوية لبنان العربية أو الاستقرار الأهلي.
التحدي الآخر يتعلق بالملف الاقتصادي ـ المالي الحساس للبنان في ضوء الدين الكبير والعجز البنوي المتضخم وانعدام النمو الحقيقي، وفي هذا الإطار تقف الحكومة المقبلة (أي حكومة) وخصوصاً حكومة الرئيس المكلف فؤاد السنيورة المنتظرة، أمام امتحان تسيير الدفة الاقتصادية، ولكن على حساب من؟ هل كما جرت العادة في لبنان أن تتحمل الشرائح الفقيرة والمستضعفة أعباء البرنامج الاقتصادي والمالي للحكومة، أم أن المطلوب توزيع العبء على مختلف الشرائح بحيث يشعر الجميع بأنهم يتحملون "الغُرم" بالعدل مثلما يتنعمون "بالغُنم"، أي بفوائد النمو بحيث يطال مختلف الشرائح وليس فئة صغيرة تربح دائماً وفي كل الظروف في حال الحرب وفي حال السلم، أي فترات البناء والإعمار.
ان للبنان أن يحسم بالفعل هويته العربية عبر منع القوى الأجنبية من فرض إرادتها الداخلية، سواء في لحظة تشكيل الحكومة أو في تأدية السياسات العامة تجاه القضايا المصيرية، كما إن له أن يحسم هويته الاجتماعية، أي رؤيته الاقتصادية ـ المعيشية التي يجب أن تتصف بكثير من الأنسنة والأخذ بالاعتبار مصالح الشرائح المستضعفة، أي تلطيف النيوليبرالية الجاري تنفيذها منذ زمن في استعادة للّيبرالية القاسية التي كانت سائدة منذ ما قبل الاستقلال عام 1943 والتي حسمت الخيار (الهوية) الاقتصادية ـ الاجتماعية للبنان كبلد يقوده حزب المستوردين وجمهورية التجار كما أرادها ميشال شيحا يوماً، وبقيت الأصل في هوية الدولة الاجتماعية برغم الاستثناء الذي مثله فؤاد شهاب، والإصلاحات الهامة التي عادت الطبقة التجارية المستوردة وانقلبت عليها من داخلها وخارجها.
د.حسين رحال
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018