ارشيف من : 2005-2008

إنجاز لبناني أمام الفيتو الأميركي

إنجاز لبناني أمام الفيتو الأميركي

ثمة تخبط واضح في التعليقات الأميركية على النتائج التي أفضت إليها التشكيلة الحكومية اللبنانية، يعزوها بعض المسؤولين في واشنطن الى نقص في المعلومات، أو عدم اطلاع على تفاصيل الأمور في لبنان، لكنها في الواقع تعود لحقيقة مختلفة، وهي فشل الإدارة الأميركية في فرض شروطها وإملاءاتها على الساحة اللبنانية.‏

استخدم الأميركيون التهويل الملطف في كثير من تصريحاتهم، وكان بعض اللبنانيين يمارسون تهويلاً ذاتياً على أنفسهم على قاعدة الانهيار النفسي قبل بدء المعركة بأنه لا يمكن مواجهة الإرادة الأميركية بإدخال أعداء السياسة الأميركية الى حكومة يراد لها تدشين مرحلة جديدة على رأسها محاصرة وإضعاف خصوم أميركا في لبنان والمنطقة.‏

تصرف البعض كملكيين أكثر من الملك في تحليلات ومواقف مسربة تارة وخجولة طوراً، من أن مشاركة قوى مثل حزب الله قد تعرقل الدور السياسي والعلاقاتي للحكومة المقبلة، أو قد تخضعها لفيتوات أميركية وغربية، ما قد يجعلها عرضة لضغط دولي كبير قد لا يكون في مصلحة البلاد. ثم لماذا استفزاز أميركا سياسياً عبر إصرار حزب الله على سلوك مؤثر في مجريات الأمور وبعض المواقع الحساسة في إدارة الملف السياسي في البلاد.‏

التهويل شمل التحذير من إدخال أعضاء حزبيين الى الحكومة، ثم من تحديد مواقع معينة لها طابع سياسي لا يمكن السماح بتحولها الى حقيبة في يد "راديكاليين"، لكن التهويل تحول بعد حين الى موقف خجول يطرح تمنياته وآراءه دون ادعاء الفرض على الآخرين.‏

لقد أدى التمسك اللبناني بحرية اختيار القوى الداخلية ذات التمثيل الشعبي الحقيقي لممثليها في الحكم، الى تراجع التهويل وإعطاء القدرة الأميركية على التدخل حجمها الواقعي، فلا هي قادرة على منع قوى شعبية رئيسية من ممارسة حقوقها السياسية، ولا هي قادرة على وضع فيتوات على حقائب سيادية أو غير سيادية، ما دام أن هناك اتفاقاً بين اللبنانيين على عدم الركون للضغوط الخارجية والتهديدات المبطّنة.‏

برغم كثير من الملاحظات على الأداء السياسي في البلاد خلال مداولات التشكيل والصيغ السابقة قبل ولادة الحكومة الحالية، فإنه يمكن اعتبار ما جرى كإنجاز سياسي للبنان الذي تعرض لضغط أميركي مباشر لكنه رفض الرضوخ للإملاءات، وما حصل هو تكيّف أميركي مع معطيات دستورية وشعبية لبنانية قدمت حزب الله في الانتخابات الأخيرة كقوة نيابية رئيسية، وذات امتداد شعبي رائع وواسع، كما أن الأداء السياسي في الخطاب المنطقي العقلاني في لحظات التأجيج السياسي والطائفي، أعطى ميزة لهذا الخطاب داخل النسيج اللبناني، ساعده وضوح في الرؤية القائمة على أولوية الوحدة الوطنية باعتبارها الوجه الآخر لقوة لبنان بمقاومته.‏

كرست التجربة الراهنة إمكانية دفع واشنطن الى إعادة النظر بمواقفها والتكيّف مع إرادة الشعب بعد الاصطدام بالإصرار اللبناني على رفض الإملاءات.‏

إن الطريقة التي تمثّل بها حزب الله في الحكومة، دون أي تنازل سياسي في المسائل الوطنية، خصوصاً لجهة الملف الجنوبي، تعطي تجربة جديدة على إمكانية التعاون اللبناني ـ اللبناني دون النظر الى احتجاجات الجهات الدولية كتعبير عن ممارسة سيادة حقيقية، ما يفترض تعميمه على الموضوعات الأخرى، سواء في العلاقات الداخلية أو علاقات لبنان مع الدول العربية، وخصوصاً سوريا.‏

أظهرت التفسيرات الصادرة عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية أنهم كانوا يفتشون عن قنوات اتصال مع الجهات المعادية لهم في لحظة ممارستهم التهويل، أو ممارسة بعض "الملكيين" رقابتهم المسبقة على أنفسهم أكثر مما يفكر به الأميركيون أنفسهم.‏

إن إمساك أي طرف بأوراق قوته، وعدم التنازل عنها، وممارسة سلوك سياسي حكيم، ستفرض على الأميركيين وغيرهم التراجع عن كثير مما كانوا يعتقدونه أو يظنونه خطأ خطاً أحمر.‏

إن تحقيق هذا الإنجاز السياسي الجديد للبنان له ميزة أخرى هامة، وهي أن الطرف المباشر المعني به، وهو حزب الله، لم يفتش يوماً عن رضا الإدارة الأميركية، ولا أراد أن يفتح قناة اتصال غير تلك التي يريدها مع المجتمع المدني والهيئات الأهلية الممثلة للشعب الأميركي.‏

إن في لبنان والعالم من لا يزال يعتقد أنه لا يتشرف بأن ترضى عنه الإدارة الأميركية، ولا يرغب هو أصلاً بالاتصال بها، ولا بالاجتماع برموزها.‏

إنها علامة ندية في الفيتو من طرفين وليس من طرف واحد، لكن مع فارق أن أحدهما صادق في رفضه لهيمنة الآخر، والثاني يفتش عن قنوات اتصال غير مباشرة.‏

د.حسين رحال‏

الانتقاد / على العهد ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو 2005‏

2006-10-30