ارشيف من : 2005-2008
حساب الحقل وحساب البيدر
العدد 1114 ـ 17 حزيران/يونيو 2005
المتتبعون لنتائج الانتخابات النيابية في مراحلها الثلاث، وهم كثر، لبنانيون وغير لبنانيين، لا يستطيعون اغفال العديد من الخلاصات التي باتت على طاولة التشريح السياسي.
أبرز تلك الخلاصات هو نجاح الهجوم السياسي المضاد الذي شنه حزب الله لاسقاط مفاعيل القرار 1559 وفق التفسير الاميركي شعبياً وشرعياً على أرض لبنان.
فتحت عنوان التصدي لمشروع نزع سلاح المقاومة أو محاصرتها وإضعافها خاض حزب الله في مختلف المناطق معاركه الانتخابية التنافسية بهدف كشف المشروع الاميركي وتعريته بالكامل شعبياً وسياسياً ووطنياً، بحيث باتت خارج النقاش الوطني أي دعوة لتطبيق هذا القرار بالاستناد الى التفسير الاميركي ـ الاسرائيلي.
لقد صبت أصوات مئات ألوف اللبنانيين الى جانب هذا الموقف السياسي الصارخ في رسالة شعبية كبرى لا توازيها الا رسالة 8 آذار الذي شهد أكبر تظاهرة في تاريخ لبنان دفاعاً عن المقاومة وخياراتها الاستراتيجية، وبالمفاعيل نفسها.
فمن حدود الجنوب ومياه الناقورة امتداداً الى أقصى الشرق وحتى حدود الهرمل مروراً ببيروت والجبل، ثمة نداء واحد يجمع فيما يجمع غالبية من شارك في تظاهرة 14 آذار ليضموا صوتهم الى اخوانهم الذين سبقوهم في رياض الصلح دفاعاً عن خيار المقاومة.
وبالقدر نفسه من القلق والإرباك جاءت ردود الفعل الاميركية جوفاء لا تطابق حسابات الواقع ولا تعكس حساً بالزمان وبالمتغيرات، مجرد تأكيدات لفظية عرّاها الصوت اللبناني الواحد الملتف حول سلاح المقاومة واستراتيجية الحماية والتحرير الوطني اللذين تتبعهما.
من الطبيعي اذاً ان يتداعى السفراء الغربيون المعنيون الى الاجتماع في باريس حتى قبل انتهاء المرحلة الأخيرة من الانتخابات، خصوصاً مع متغيرات أخرى في التمثيل المسيحي أعادت خلط الأوراق فجاءت حسابات البيدر مخالفة لحسابات الحقل في "الأجندة" الاميركية، ورهانات المرشحين لرئاسيات مبكرة تغير وجوهاً واستراتيجيات تبين انها لا تصمد مع حسابات الصناديق ومفاجآتها.
يضاف الى ذلك تحوّل الصوت الانتخابي لحزب الله الى صوت مرجّح ومؤثر في دوائر حساسة تعبّر عن امكانية خوض السياسة في ملاعب كثيرة لا تقتصر على مناطق النفوذ التقليدي التي ظن الكثيرون امكان حصره فيها.
ثمة تطور آخر ينبغي الاحاطة به وهو أن الانتصار العوني في المعاقل المسيحية على حساب التيارات الأخرى في القرنة، برغم كل ما قيل فيه يمثل رافعة، قد يختلف الكثيرون معها في السياسة والمواقف، لدمج الجمهور المسيحي في مشاركة ايجابية في الدولة، وتعطي هذا الجمهور نوعاً من الانتصار النفسي يبلسم كثيراً من جروح الاحباط والاحتقان اللذين ضُخما كثيراً مؤخراً، خصوصاً بعد اعتماد نظام انتخابات العام 2000 والصورة التآمرية التي أعطيت للتحالف الرباعي الاسلامي، واتهامات بالصفقات تحت وفوق الطاولة في مجلس النواب لتمريره.
هكذا يبدو لبنان مقدماً على حسابات جديدة، قد تفرزها انتخابات الشمال بعد أيام، هي غير حسابات الحقل الاميركي في بلد طالما عجز العقل الاميركي عن فهمه مهما زعم وتوهم.
هل يندم أصحاب التعجيل بإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن على مساعيهم وضغوطهم على اللبنانيين، برغم وجود كثير من الحكماء الذين حاولوا تأجيلها بضعة أسابيع للخروج بنظام انتخابات يعقلن المد الطائفي، ويكبح آليات الاقصاء الأكثري، ويقدم أحجام القوى بنسبة حضورها الفعلي.
ما حصل قد حصل، والمهم الانتباه الى ان يستثمر اللبنانيون ما جرى وطنياً، ولا يتركوا لأدعياء الوصاية الجديدة صبّ الزيت على حروق في الوطن يصعب بلسمتها كلما كثر الطهاة الدوليون.
حسين رحال
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018