ارشيف من : 2005-2008
فرحة .. وغصة
يستحق القادة العرب الذين اجتمعوا مؤخراً في قمة الخرطوم ـ السودان بعض التقدير والثناء، ليس لأنهم قدّموا انجازات حقيقية يستحقون أن تكال لهم بصددها المدائح وينهال عليهم الشكر.. بل لأنهم تماهوا في لفتة نادرة وصادقة مع نبض شعوبهم وإرادة أبناء الأرض العربية من المحيط إلى الخليج.
هي واحدة من المرات النادرة التي يجمع فيها القادة العرب على شيء، وشيء جميل ونبيل ومشرق جداً، فيه خير كل الأمة وصلاحها، حتى لا نقول بقاؤها وديمومتها.
إنه الإجماع على خيار المقاومة كحق طبيعي وتعبير جلي صادق عن إرادة أبناء الأمة في مقارعة أعدائها وحماية مقدساتها، وتحرير ترابها المحتل وحفظ كرامتها وكرامة شعوبها، وسيادتها على أراضيها واستقلالية حكوماتها عن أي إملاءات خارجية.
المقاومة بهذا المعنى هي تجسيد لمناعة هذه الأمة وقدرتها على الحياة والاستمرار والتصدي لمؤامرات الأعداء، بقدر ما هي تعبير عن هوية هذه الأمة، ورسوخ قناعة أبنائها بانتمائهم إليها وتمسكهم بها واستعدادهم للتضحية بكل شيء في سبيل عزتها وحريتها.
إذن، فالشكر نابع من تقدير هذا التماهي مع تطلعات الشعوب العربية وإرادة هذه الشعوب بالتحرر والاستقلال من الاحتلال الأجنبي والتخلص من أية تبعية له.
ولنا أن نتصور كم تتغير حالنا في دنيا العرب لو أن الأنظمة والحكومات اقتربت بحق ولامست بعمق قضايا أمتها واحترمت خيارات أبنائها وإراداتهم.. إن واقعاً كهذا سيقلب العالم العربي رأساً على عقب، وسيغيره من حالٍ إلى حال، وستكون الأنظمة والحكومات أكثر قوة ورسوخاً ومناعة، ولن تتسول ضمانات ولا تطمينات من الأجنبي الطامع بثرواتنا، ويستطيع العرب وقتذاك أن يفرضوا شروطهم في معادلة القوة.
ولكن، وكما في كل فرحة مهما كانت بسيطة ومتواضعة، لا بد من غصة، فكان الموقف المستهجن من رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة المفترض أنه مؤتمن على البيان الوزاري لحكومته التي نالت ثقة المجلس النيابي على أساسه، والذي عبّر بصراحة ووضوحٍ كاملين عن دعم خيار المقاومة لتحرير الأرض وحماية السيادة من العدوان الإسرائيلي المستمر، وإذ به يفاجئ الجميع عرباً ولبنانيين بإصراره على شطب كلمة المقاومة من البيان الختامي للقمة، ما استدعى تذكيراً له من بعض الرؤساء العرب بأهمية المقاومة وأحقيتها وواجب الوفاء لها بعد أن قدمت الدماء والشهداء، وأهدت نصراً عزيزاً للبنانيين كان ولا يزال مفخرة العرب وكل الشرفاء والأحرار في هذا العالم.
لقد كشف موقف الرئيس السنيورة مجدداً تذبذب موقفه، وهو الذي أثقل أسماع الناس بقوله إنه لا يحتاج إلى فحص دم في الوطنية، فإذ به يتلقى دروساً في الوطنية من العرب قبل اللبنانيين.
عجيب أمر الرئيس السنيورة، كيف تتقلب مواقفه بين ليلة وضحاها ليحدث ضجة حتى لا نقول فتنة، ليستفيق في اليوم الثاني وينحو باللائمة على وسائل الإعلام التي "اجتزأت أقواله"، وعلى عباد الله الذين اجتزأوا الفهم أيضاً! مدّعياً الوضوح الكلّي في الموضوع.
ولكن مهما يكن، فرب ضارة نافعة، ولعلّ درس الخرطوم يكون كافياً وشافياً، فلا يتحفنا السنيورة بمزيد من المواقف الشبيهة الملتبسة، خاصة أن ملفات الأزمة اللبنانية التي يجب أن تضطلع حكومته بمعالجتها كثيرة، وبالغة التعقيد أيضاً.
ابراهيم الموسوي
الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1155 ـ 31 آذار/مارس 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018