ارشيف من : 2005-2008
حمى الله .. لبنان
ابراهيم الموسوي
الحدث الأمني الأبرز الذي شغل الساحة المحلية خلال الأسبوع الحالي تمثل في إعلان قيادة الجيش اللبناني إلقاء القبض على مجموعة إرهابية مسلّحة كانت تخطط لاغتيال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وقد ترك هذا الحدث تداعيات كثيرة وطرح أسئلة خطيرة ومن العيار الثقيل بسبب شخصية المستهدَف (بفتح الدال) وكذلك طبيعة المستهدِف (بكسر الدال).
فأمين عام حزب الله شخصية مستهدفة وعلى لائحة التهديد بالاغتيال من جهات عديدة منذ سنوات بعيدة، وهو يعرف في قرارة نفسه كما يعرف الآخرون أنه مشروع شهيد في كل لحظة، وهو يمنّي نفسه دائماً بالالتحاق بركب من سبقه من إخوته وأبنائه الشهداء، الذين يحفرون في ذاكرة روحه وينسجون في وجدانه سجلاً نورانياً لا امِّحاء لسطوره.
السيد حسن يعرف أنه مستهدف أولاً وقبل أي طرفٍ آخر من العدو الإسرائيلي الذي سبق له أن اغتال أمين عام حزب الله السابق سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي، وزوجته أم ياسر، وطفلهما حسين.
وهذا العدو يتربص منذ زمن بعيد للتخلص من السيد الذي أذاقه الطعم المر لهزيمة الانسحاب أمام ضربات المجاهدين، وأجبره على التقهقر ذليلاً من معظم الأراضي اللبنانية التي احتلها. ولكن المفارقة الكبرى والخطيرة في آنٍ معاً أن المجموعة المكتشفة، وبحسب ما بينته التحقيقات، وسربته مصادر اعلامية وأمنية حتى الآن، هي مجموعة لبنانية، وتتحرك بناءً لمعطيات تتصل بحسابات الساحة الداخلية، وربما الاقليمية، وما أفرزته من معطيات في المدة الأخيرة، وتنطلق من معطيات طائفية تكفيرية ضيقة الأفق، وعليه، فإنه اذا ما جرى التحقق من ذلك ـ وهو ما ينتظر أن يؤكده التحقيق ـ تكون لوثه التكفيريين أو الطائفيين المتعصبين ومن يدور في فلكهم قد وصلت إلى لبنان، وبدأت عملها اللوجستي المتقدم فيه.
ما تم الاعلان عنه، وما تم كشفه خطر وخطير جداً، ولكن ما قد يكشف أو ينكشف لاحقاً قد يكون أكثر خطورة، خاصة اذا ما ثبت ما يُقال عن تورط جهات داخلية لبنانية في هذه المؤامرة، وبانتظار صدور النتائج الكاملة لتفاصيل التحقيق الرجاء والدعاء أن لا يكون أحد من الجهات اللبنانية المعروفة متورطاً في هذا الملف ، لأن من شأن ذلك ضخ الملف اللبناني السياسي الداخلي بمعطيات تعقيدية بالغة قد تحدث نقلة باتجاه مرحلة أخرى، سياسياً على أقل تقدير.
ومهما تكن النتائج التي سيخلص اليها التحقيق فلا بد من ملاحظة الآتي:
أولاً: إن ما جرى يكشف حجم التآمر على لبنان واللبنانيين، وهو يضع البلد برمته في دائرة الخطر الشديد، وفي أتون فتنة لا يستطيع أحد أن يقدر عواقبها.
ثانياً: إن تعاطي بعض المسؤولين المعنيين باستخفاف ولا مسؤولية مع هذا الملف يثير تساؤلات مريبة ومفزعة، حول طريقة إدارتهم للملف الأمني في البلد، وخاصة أن الجميع لا يزال يرزح تحت تأثير زلزال الجريمة المفجعة التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتداعياتها الكارثية على لبنان واللبنانيين.
ثالثاً: لا بد من التنويه والإشادة بالدور الذي قام به الجيش اللبناني في كشف المؤامرة في مراحلها الأولى، وهو ما يسجل كإنجاز لأجهزة الدولة التي تسهر على أمن الوطن والمواطنين.
رابعاً: لا بد من الدعوة إلى التبصر في عواقب الشحن الطائفي والمذهبي، وما يولده من ردود فعل خطيرة على الأمن ومستقبل الوضع اللبناني برمته، لأن ذلك يشكل مقدمة أكيدة للفتنة التي لا تبقي ولا تذر، وعليه يكون المطلوب التأكيد على روحية التسامح والانفتاح، والتشديد على أولوية حفظ الأمن الداخلي من خلال تحصين المجتمعات الداخلية، ومكافحة كل نزعات التطرف والغلو والتكفير، وهذا ما يتطلب عملاً حقيقياً ودؤوباً، وتوعية حقيقية مستمرة على كل المستويات في كل المناطق ولدى كل الطوائف، لأن السيناريو العراقي الدموي الذي يرعاه الاحتلال الاميركي، ونشهد صفحاته المأساوية كل يوم، جاهز للتصدير إلى أماكن أخرى في العالمين العربي والاسلامي، وقد يكون لبنان مستهدفاً في أن يكون أحد محطاته بعد فشل المشاريع الاميركية الاسرائيلية في فرض سيطرتها عليه.
حمى الله السيد... حمى الله لبنان.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018