ارشيف من : 2005-2008

انتهاك للطائف والدستور

انتهاك للطائف والدستور

بقدر ما كانت مواقف الرئيس رفيق الحريري وخصوصاً في الأعوام الأخيرة، توحيدية جامعة وعروبية وداعمة للمقاومة وسلاحها حتى نهاية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، جاء إحياء ذكراه مناقضاً لها، فقد استثمرت دماء الرئيس الشهيد لما يخالف رؤيته السياسية للبنان.‏

فالبلد الذي أكد اتفاق الطائف دوره في القضايا العربية، ومنها القضية الفلسطينية، وهويته العربية الواضحة الانتماء بلا أي لبس، تحول في الذكرى الأولى لرحيله إلى بلد غربي، البحر من أمامه والعرب أعداء من ورائه، كما قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي أكمل: ان السلام لمن يريد السلام.. والقصد واضح، أن السلام لـ"إسرائيل" (الحليفة السابقة للقوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية).‏

إذن "دستور" جديد عبّر عنه خطباء ساحة الشهداء عنوانه: العداء لعرب والسلام لـ"اسرائيل"، فهل هذا ما أراده الرئيس الشهيد واستشهد من أجله؟ وهو الذي قال قبل استشهاده بساعات إنه حريص على المصالح الاستراتيجية لسوريا في لبنان؟‏

في العناوين الأخرى استبدال مزارع شبعا بقصر بعبدا، أي تحويل العدو إلى الداخل بدل "اسرائيل".. ثمة هوية جديدة للبنان يراد إلباسها له في ظل الظروف الدولية الراهنة، فالعدو لم يعد "اسرائيل" كما صرّح بذلك من قبل صاحب الخطاب نفسه، أي النائب وليد جنبلاط، بل سوريا وبعض الداخل، وهو خطاب ينتهك الدستور والطائف والبيان الوزاري، يضاف اليه تحريض الجيش اللبناني على المقاومة في محاولة للإيقاع بينهما، وتحريض للمناطق اللبنانية بعضها على بعض، وعلى "الضواحي" تحديداً.‏

خطاب انقسامي ناري يستعيد لغة التحريض المناطقي والطائفي على شاكلة ما ساد في الحرب الأهلية اللبنانية، فهل هذا ما يرضي شهيدنا الكبير الذي "دفن" الحرب بآلات الإعمار التي شمّر عن سواعدها وحمل مشروعاً كبيراً لها.‏

ثمة خطاب آخر ظهر في المناسبة، لكنه جاء على "خجل" أمام "ضجيج" الحرب الكلامية التي سعرها غالبية الخطباء، وإذا كان خطاب تيار المستقبل متمايزاً عن حلفائه، لكنه ضاع بين ضجيج الأسلحة الصوتية التي أطلقها الحلفاء المستعجلون.. أما خطاب الجماعة الإسلامية فكان شاذاً عن المحيط الذي استنكر بعض المسلمات الوطنية التي أكدها رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية أسعد هرموش، وكأنه غريب في جمهور لا يقبل دخيلاً "سياسياً عليه".‏

ثمة خطاب بلا أقنعة استفز غالبية الشعب اللبناني عبر الإساءة إلى أكبر زعمائه في الطوائف الرئيسية، برغم حضورهم الرسمي وليس الشعبي في المناسبة.. فهل كان الرئيس الحريري ليقبل بتحويل مناسبة استشهاده إلى لحظة انقسام طائفي وسياسي توجه إهانات غير مسبوقة إلى رموز دينية وإلى رموز سياسيين لطائفتين كبيرتين، بما يهدد بتحويل المناسبة إلى منصة للنيل من غالبية اللبنانية لمصلحة البعض الذي نسي دماء الرئيس الشهيد وهدف الحقيقة وأولوية التحقيق ولم يأتِ على ذكرها، أو تكون محور المواقف، بل ذهبت مطالبات الحقيقة والتحقيق والمحاكمة ضحية الاستغلال السياسي الآني لبعض من لا يجد مكاناً يطل منه سوى مناسبات الآخرين!..‏

كان الرئيس رفيق الحريري يستحق ذلك في ذكراه الأولى، خطاباً يؤكد المسلّمات الوطنية، لا خطاباً ينتهك المقدسات ويحولها إلى صيحة للسكر السياسي وأوهام المشروع الأميركي. ويستحق الرئيس الحريري خطاباً جامعاً يضم الوطن كله، كما كان خطابه هو ورؤيته فهو، لم يكن لحزب محدد، ومشروعه لم يكن لطائفة أو منطقة، بل كان مشروعاً على قياس الوطن بكل فئاته.‏

حسين رحال‏

الانتقاد/ العدد 1149 ـ 17 شباط/فبراير 2006‏

2006-10-30