ارشيف من : 2005-2008

سر التوقيت

سر التوقيت

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1138 ـ2/12/2005‏

ما هو سر التوقيت في ما جرى جنوباً وداخلاً حول موضوع المقاومة، ولماذا وُجهت المدافع السياسية والإعلامية نحو المقاومة، وليس نحو العدو في هذه اللحظة بالذات؟‏

أسئلة تستحق الاهتمام أو محاولة الإجابة بعدما تحول الأمر إلى "أوركسترا" منظمة.‏

سياسيون لبنانيون، وسائل إعلام مرئية، إذاعات، صحف، عزفت كلّها معزوفة واحدة تتناغم مع مقولة لارسن القديمة وتصريحات مساعديه الحاليين الهادفة إلى نزع مشروعية أي عمل مقاوم، سواء كانت مزارع شبعا لبنانية برأيهم أو لا، وسواء أثبتت لبنانيتها بأي طريقة، ذلك لأن لارسن أوضح في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن أن "مبدأ المقاومة المسلحة" لاستعادة الأرض المحتلة ليس مشروعاً.‏

إذاً النقطة الجوهرية هي هنا:‏

مبدأ المقاومة ضد الاحتلال وليس إثبات اللبنانية في حالتنا، أو الأحقية في الأرض والإنسان والمياه كما هي حالنا وحال الفلسطينيين والسوريين وبقية العرب، وفي كل أنحاء العالم.‏

قاد لارسن في تقريره حول القرار 1559 طليعة الهجوم، ثم انبرى نواب لبنانيون وآخرون لتشكيل لجنة لتنفيذ هذا القرار، ثم جاءت الخروقات الإسرائيلية وبعدها رد المقاومة فانطلقت الأصوات المشككة بالرد، وكأنها كانت تضع يدها على الزناد بانتظار المقاومة لترد عليها بمجرد أن تتصدى للإسرائيليين. تنوعت الحجج القديمة والجديدة الممجوجة منذ التسعينيات ولكن الهدف واحد، هو النيل من حق المقاومة ومن أدائها، والتخفيف في حقيقة الاستفزاز الإسرائيلي والانتهاكات اليومية للسيادة اللبنانية.‏

في برنامج سياسي شهير وضع سؤال "مشبوه" لمغالطة اللبنانيين، بل لتعبئة بعض فئاتهم ضد المقاومة. هل أنت مع توتير الوضع في الجنوب؟ وقدم المذيع هذا السؤال في إطار وصفه هذا لرد المقاومة، وليس للخروقات الإسرائيلية، أي أن الموضوع أصبح هو مشكلة المقاومة وليس الاحتلال، وبالتالي تبرير الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية وتجاهلها، واعتبار أن تصدي المقاومة هو التصعيد، وليس إجرام العدو في ممارسته اليومية، ولا حتى في بقاء احتلاله للأرض واحتجازه للأسرى.‏

تبين أن الموضوع ليس غلطة إنما "سياسة" تقتضي أيضاً أن تحرض المحطة نفسها بعض أهالي القرى الجنوبية على محيطها من اللبنانيين والمقاومة، ثم فتح أحدهم دارته لتصبح منبراً للتهجم على المقاومة وأدائها بحجة نكران تفردها واحتكارها "للمقاومة"، وكأن الصمود حتى النهاية في مقاومة الاحتلال ثم الانتصار عليه "عيباً" أو شيئاً شائناً.‏

قوى سياسية لديها وزراء ونواب تبنوا البيان الوزاري وصوتوا عليه بالثقة عادوا إلى الاوركسترا "الدولية" حول المقاومة والانسجام والقرار الرسمي، وكأن ما ورد في البيان الوزاري حول المقاومة وحمايتها وتحرير الأرض والأسرى لا يعنيهم، أو لا يمثل سقف وضوابط تحركهم السياسي ومبدأ وبرنامج عمل حكومتهم الدستوري.‏

ثمة قوى سياسية لبنانية ظنت أنها عادت إلى العام 1982 فاستعادت خطاب الفترة نفسها ناسية أن عصر "شارون" في لبنان قد ولى منذ زمن، وعصر بوش الذي تلقّى في 8 آذار الضربة المليونية الغاضبة لم يأتِ.. ولن يأتي.‏

إن بعض من "يعلّق" انتقاداته للمقاومة على شمّاعة التوقيت أو القرار الرسمي ينسى أنه جاء في التوقيت الخطأ، وأن سر حملته هو في توقيتها الخطأ، وأن مجرد التوافق الوزاري والشعبي على دور المقاومة يعني بديهياً أن المقاومة "مقاومة" لها أسلوبها وقدراتها ونجاحاتها، فلا تحتاج إلى أن تعود للالتفاف عليها تارة بالتوقيت، وتارة بالقرار الرسمي.‏

ذلك أن من وقف كل حياته إلى جانب العملاء ودافع عنهم وشكل لجاناً لدعمهم ولم يكن في كل نشاطاته داعماً للمقاومة ولا جزءاً من لجنة دفاع عن المعتقلين لدى العدو، فإنه معلول الشهادة وناقص الوطنية قبل أن يشير إلى المقاومة بإصبع.‏

وكيف الأمر إذا كان البعض تسلح وقاتل وقتل مع العدو، وشهر سلاحه وسلم عدداً من اللبنانيين إلى الإسرائيليين.‏

المسألة مبدأ المقاومة وليس التوقيت أو القرار.‏

إنهم يريدون وقف مفعول السلاح المقاوم بوجه العدو الآن ولو كان بيد المقاومة، أي تنفيذ القرار 1559 وإرضاء "إسرائيل" فوراً عبر تجميد قدرة الردع المقاومة التي تحمي لبنان، وعبر شل فاعلية السلاح المقاوم قبل أن يحاولوا نزعه. باختصار إنهم يريدون تطبيق استراتيجية العدو القائلة انه في الوقت الذي لن تستطيع قوة نزع سلاح المقاومة بأن أفضل طريقة لنزعه هو تركه يصدأ من دون استعماله.‏

إنها حملة منسّقة لا يستفيد منها إلاّ العدو، ولا يتضرر منها إلاّ لبنان وقدرة الردع والحماية التي يتمتع بها الجميع على أرضه باسم التوقيت والقرار.‏

هذا هو سر الحملة وتوقيتها.‏

د. حسين رحال‏

2006-10-30