ارشيف من : 2005-2008

تفاهمات وطنية لا صفقات

تفاهمات وطنية لا صفقات

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1141 ـ 23 كانون الاول/ ديسمبر 2005‏

لبنان محكوم بالتوافق.. مقولة صائبة لكنها ليست "عملية"، انها أُمنيّة يطلبها الكثيرون وأحياناً الجميع، ومع ذلك تجد عند الممارسة تتحكم تقاطعات عديدة بـ"الكم" فيصبح بدوره محكوماً لتوازنات أخرى غير التوافق.‏

ليس المطلوب صفقت ثنائية ولا شراكات تحاصصية، المطلوب هو بمستوى الوطن المتنوع: تفاهمات وطنية مفتوحة.. نعم مفتوحة فلا يُعقل ان يطلق على أي تجمع سياسي مغلق ذي مصالح ضيقة صفة التفاهم الوطني، أو أن يعطى حق التكلم باسم الغالبية أو المجموع أو كامل اللبنانيين مهما كان 14 آذار الأول و14 آذار الثاني (المنقلب عن مؤسسين قدامى للأول مثل التيار العوني) فإنه لا يستطيع التكلم الا باسم جزء من اللبنانيين لأن الجزء المقابل وهو 8 آذار لا يمكن الغاؤه الا بإلغاء صيغة لبنان التنوع لمصلحة حزب ديكتاتوري جديد هو نصف النصف، أو أقل، أي جزء من 14 آذار الأول، حتى ولو كان يدّعي التكلم باسم المجموع أو أكثرية نيابية لا تعكس أكثرية شعبية حقيقية.‏

التفاهمات الوطنية قد تبدأ ثنائياً، وهذا أمر واقعي، لكنها اذا كانت مفتوحة فعندها نتجاوز مفهوم المحاصصة السيئ الذكر باتجاه التوافق السياسي العام الذي يُدخل في حسابه كل مكوّنات الوطن اللبناني.‏

والتفاهمات الكبرى تبنى على قضايا عامة تتعلق بهوية الوطن، وعلى آليات خوض الصراع السياسي، وحسم الخلافات الداخلية، وعندها تغدو قابلة لتنفيس الاختناقات والاحتقانات التي تولّدها الصراعات والتنافسات في المجتمع اللبناني.‏

أولى هذه القضايا تتعلق بهوية لبنان ودوره، وهناك مرجعية ذات طابع دستوري قد حسمت المسألة، وهي اتفاق الطائف، وبنود الدستور المنبثق عنه، اذ حددت عروبة لبنان الواضحة، وشراكته للأمة العربية في صراعها مع العدو الذي بات أيضاً واضحاً، وهو "اسرائيل"، كما حددت الصديق والشقيق، وهم العرب، وميّزت شقيقاً جاء بعلاقات مميزة وبمعاهدات خاصة للأخوة والتعاون والتنسيق هو سوريا.‏

بهذا المعنى فإن من يدعو الى التوافق وكون لبنان محكوماً به يصبح معادياً للتوافق عملياً، وعديم المنطق عندما يستعدي هذا الجار العربي، ويعتبره عدواً في موقف يناقض الدستور والميثاق والتفاهمات الوطنية الرئيسية.‏

حتى لو كان قائل هذا الكلام طرفاً غير رئيسي على المعادلة السياسية، ملحقاً بالتيار الرئيسي لـ14 آذار الثاني، أي تحديداً تيار القوات اللبنانية، برئاسة سمير جعجع، فإن المسؤولية تطال رفاقه أصحاب الثقل الرئيسي في التحالف باعتبار أن وصف سوريا بالعداء، واستعمال لغة "الحرب" معها، يؤسس لانقلاب على الدستور والهوية، ويلغي المسلّمات الوطنية، ويهدد بتفجير صراعات تطال الهوية العربية للبنان بعد حسمها في الطائف.‏

وعلى المنوال نفسه قضية المقاومة التي تواجه عدواً نص عليه الطائف والدستور بشكل لا لبس فيه، هو "اسرائيل"، فإن حماية المقاومة ودعم حقها كما ورد في البيان الوزراي أمر أجمع عليه اللبنانيون، فلا يجوز وطنياً أن نعلن ذلك ثم نشن الحملات الاعلامية والاخبارية للنيل من صدقية المقاومة، أو للتشكيك بوطنيتها، وحتى من قبل من يحملون رتبة عميل سابق انتهت مدة صلاحيته، أو عبر دعوة المقاومة الى انتظار جلسة مجلس الوزراء القادمة (ولو بعد أسبوع) قبل الرد على اختراق اسرائيلي ما، بري أو بحري أو جوي، أو التصدي لدورية معادية آتية لخطف راعٍ أو قتل مقاوم أو تنفيذ أي مهمة عدوانية أخرى.‏

أما التفاهمات على الآليات فمحورها أيضاً الدستور، فلا يمكن اتهام من وضع في أولوية برنامجه الانتخابي وتحالفاته السياسية في الانتخابات وقبلها وبعدها حماية الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، بأنه يريد كسر الدستور أو تجاوزه. ان روح الطائف والدستور تنحو نحو التوافق في القضايا الكبرى، وهل هناك أكثر أهميةً من هوية لبنان العربية، وعلاقاته مع سوريا، وإقامة معاهدات او محاكم دولية جديدة تطاله، أو تسليم أمنه وقضائه لسيادة دولة، أو الدفاع عن حق لبنان في المقاومة وتحرير الأرض والانسان وحماية البلاد والمياه أمام التهديدات والاطماع الصهيونية التي تشخصها وثيقة الوفاق.‏

إن الشراكة الحقيقية في مقوّمات الوطن، أعمق وأكبر من مجرد مسمى "أكثرية" مزعومة وموهومة، وهي شراكة على تفاهمات وطنية قد تبدأ بين حزب الله وتيار المستقبل ثنائياً، أو بين حزب الله والتيار الوطني، أي ثنائياً أيضاً، لكنها في الجوهر تؤسس لشراكة وطنية وأخوة مواطنية مفتوحة بعيداً عن منطق المحاصصة والصفقات التي أدخلت البلد في نفق تهديد السيادة من تحول الوصاية، وتهديد الشراكة من نزعة الدكتاتورية، وتهديد مقومات الاقتصاد المثقل بـ40 ملياراً من الديون.‏

التفاهمات الوطنية تأتي بالحكومات والمجالس وتحمي الوطن لا العكس.‏

د.حسين رحال‏

2006-10-30