ارشيف من : 2005-2008
على العهد : عين العاصفة الاميركية
عين العاصفة الدولية مرت في لبنان خلال العام الفائت باندفاعة لا يمكن القول إنها انتهت بالكامل، وإن كانت بوادر التآكل والاصطدام بالحقائق الموضوعية بدأت تظهر عليها.
اللحظة الأصعب والأكثر دموية وفظاعة كانت اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري مع نحو عشرين من مرافقيه وأصحابه في جريمة بشعة ما زالت ارتداداتها السياسية والاجتماعية تتوالى حتى الآن، وهي ارتدادات ستكون لها بصمات على مستقبل لبنان في المديين القصير والطويل، وبمقدار ما كانت الجريمة مروعة فإنها ذات أبعاد سياسية، وقد استغلت "العاصفة" الاميركية هذا الزلزال السياسي لفرض جدول أعمال التغيير في المنطقة بدءاً بالقرار 1559، مروراً بتركيع كل الأنظمة والمنظمات الممانعة للنفوذ الاميركي من ايران وحتى غزة.
لم يكن لبنان ولا للحظة بؤرة منفصلة عن المنطقة في توصيفات الخطة الاميركية التي جعلته بوابة لغيره تارة، ونموذجاً يُحتذى طوراً، لكن البعض في لبنان لم يستطع رؤية المشهد كاملاً، فظن نفسه مركزاً للكون ومحركاً للسياسات الدولية وآمراً ناهياً للقرارات والدول والأساطيل في وهم سياسي وخطاب خشبي أدخل لبنان واللبنانيين في دوامة العاصفة، وحمّله مخاطر التدويل والمشاريع العابرة للدول والحدود.
وبمقدار ما يتعثر المشروع الاميركي في المنطقة تتراجع الاندفاعة الاميركية في لبنان. هكذا يبدو البعض متحسراً على قرب نفاد الوقود في "اندفاعة" ذات مهلة محددة تكاد تنتهي ولم ينجز الكثير من جدول أعمالها.
توالت الخيبات على ادارة بوش، فجاء أقسى الضربات من العراق، حيث اخفق أنصار الادارة الاميركية في اكتساح انتخابات جرت تحت حراب الاحتلال والارهاب الدموي الاميركي والتكفيري، ومع ذلك فاز من وصفتهم أبواق الدعاية الاميركية بأنهم عراقيو "ايران"، الخصم القوي للادارة الاميركية على تخوم الحدود الشرقية. فسقط العلاويُّون وحلفاؤهم أمام مد الائتلاف الموحد وأصوات الشعب العراقي التي صبت في صناديق "معادية" لأزلام اميركا ورموزها الخائبين، في لحظة ضعف اميركية غير مؤاتية وقابلة لتغيير جوهري في النتائج المخيبة لآمال البيت الأبيض.
ومن ايران كانت المواقف الصلبة في مفاوضات الملف النووي والعلاقات المتميزة مع روسيا والصين انتصاراً ديبلوماسياً وسياسياً واستراتيجياً لايران على حساب محاولات العزل والاستفراد الاميركية.
ومن الانتخابات الفلسطينية الى الانتخابات المصرية، يبدو المزاج الشعبي في المنطقة مغايراً لاندفاعة التغيير الاميركية، ومحبطاً لادارة فاجأتها فضيحة السجون السرية في اوروبا فجعلتها في موقف دفاعي ضعيف أين منه هجوم الاندفاعة الذي بدأ أول العام قوياً وجارفاً.
بمقدار ما تتعزز جبهة الممانعة عربياً وإسلامياً تتوارى العاصفة موقّتاً أو دورياً، وتبدو المراهنات على المشروع الاميركي وتداعياته خاطئة، وتُدخل البلاد في أتون عاصفة لا مثيل له بها، ولا تتحملها أشرعة هذا الوطن الصغير.
العودة الى التوافق الداخلي الذي يتحلق حول الطائف وما تضمنه من هوية لبنان العربية، وعدو واضح للبنان هو "اسرائيل"، هي رهان داخلي على قوة ذاتية قوامها الوحدة الوطنية والتمسك بالمقاومة كجزء من منظومة الدفاع اللبنانية ضد العدوان، أما الرهانات الخائبة فهي مغامرة خاسرة تجعل لبنان ريشة لا قوة ذاتية له في "عين العاصفة" الغربية.
د.حسين رحال
الانتقاد ـ العدد 1143 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018