ارشيف من : 2005-2008
سباق في ظل الوصاية الأميركية
يستغرب البعض الحديث عن وصاية أميركية أو غربية على لبنان، فهم لا يقبلون الوصاية، وإنما هناك مساعدة أجنبية وظروف يستغلها اللبنانيون للوصول الى مصالحهم.
والواقع أن الوصاية كلمة غير دقيقة وليست مطابقة للموضوع، فمجريات الأحداث أوضحت أن الأمر يتعلق بإدارة أميركية وغربية مباشرة للوضع في لبنان، وليست الجولات التي قام بها السفير الأميركي جيفري فيلتمان على عدد من القيادات التابعة للموالاة أو جماعة 14 آذار، إلا الصورة المباشرة لها.
كان واضحاً أن السفير وضع سيناريو واضحاً للجماعة أوردته صحف يومية من خلال مقتطفات من تمنياته على التيارات السياسية المختلفة: ممنوع المساس بالقرار 1559 أو إصدار شيء ضده، عليكم استيعاب التيار العوني، ولا بد من تعويم لقاء 14 آذار.. وهكذا تبدلت أجواء "الجماعة" وبدأت التصريحات النارية، ومن ثم التودد الى الجنرال الذي كان عرضة لتهجم عنيف قبل 48 ساعة فقط، قبل أن تغير رياح فيلتمان أشرعة الهجوم باتجاه آخر.
إدارة ميدانية أميركية إذاً هي أكثر "فظاعة" من كلمة وصاية التي باتت قاصرة عن وصف الواقع المزري القائم في لبنان.
تبدو كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية مستعجلة لاستعادة أجندتها التي يقودها ميدانياً فيلتمان، فتوجه الأوامر من وراء البحار لاتخاذ مواقف تجاه سوريا والمقاومة والوضع اللبناني، كما لو أن الساحة اللبنانية حيّز سياسي أميركي على طريقة جمهوريات الموز.
تبدي رايس ربطاً واضحاً بين مطالبها في المنطقة من فلسطين الى العراق وجنوب لبنان (المقاومة)، وما تريده من سوريا حول لبنان.. هي اذاً أجندة خاصة لا علاقة للبنان بها ولا لمعرفة الحقيقة، وإنما مطالب هي جزء من مشروع أميركي عام يحدد أولوياته وفقاً لمصالحه وثوابته، بينها مصلحة العدو الإسرائيلي قبل مصلحة أي أحد آخر، لبنانياً كان أو عربياً. من هنا تبدو حالة القلق العربية ـ حتى عند الأنظمة ـ من استمرار الهجمة الأميركية وتداعياتها على الاستقرار في مختلف بلدان المنطقة.
ثمة عروض لبنانية للأجندة الأميركية على حساب استقرار المنطقة، ومغامرات "صبيانية" تدخل لبنان الصغير في لعبة الأمم الكبرى، وهي معادلة ما كانت مرة في مصلحة الأوطان الصغيرة التي عادة ما تدفع ثمن أجندات أكبر منها.
لبنان بحاجة الى عقلاء كبار افتقدهم خلال السنوات الماضية، والفرصة ما زالت متاحة، وخصوصاً أن مخاطر المشروع الأميركي استفزت النظام العربي الرسمي الذي يحاول تدارك الأسوأ، فكيف الحال بوضع لبنان الحساس والحرج اقتصادياً وسياسياً، الذي يجدر به أن يكون أكثر حساسية تجاه الأجندة الأميركية الحاملة لبذور تفجيره وتفتيته، أكثر مما توحي بإمكانيات الاستقرار والتوحيد!
أمام أجندة أميركية مشبوهة ومحاولة عربية لتخفيف خسائر الدول والشعوب، يبدو الخيار الثاني أكثر عقلانية وأقدر على تفهم مصالح المنطقة وأهلها، وخصوصاً أن الوصاية أو بالأحرى الإدارة الأميركية للملف اللبناني وتفاصيله اليومية، قد تجعل من الجميع رهينة أجندة خارجية لا قِبَل لهم بحملها.
الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1144 ـ 13 كانون الثاني/يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018