ارشيف من : 2005-2008
شتان بين موراليس وجماعة البرافر
في المأثور الشعبي أن فلاناً ذهب الى الحج عندما رجع الناس منه، أي انه خائب يلحق الموضوع بعد أن ينتهي أوانه كلياً ولا يعود بالإمكان استدراكه.. ولعل ذلك أكثر ما ينطبق على بعض العرب وبعض اللبنانيين بالتحديد ممن التحقوا بـ"بوسطة" الحج الى أميركا في اللحظة غير المناسبة.
البعض في لبنان ـ ويا لتعاسة حظه (وربما لقصر نظره) ـ يراهن على حصان اليمين الاميركي الذي يتجه الآن الى خسارة ربما تكون مدوّية في منطقتنا، بعدما بدأت انهياراته تظهر داخل أميركا نفسها أو في عمقها الحيوي القريب، أو في العالم.
لم يتعلم كثيرون من تجربة شرق أوروبا ونتائجها التعيسة على شعوب وأحزاب ندمت على التعويل على واشنطن، لكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، فأميركا اللاتينية تنتفض على اليمين الأميركي وعلى الرأسمالية المحلية المرتبطة بشركات الولايات المتحدة الضخمة.
تبدو أميركا (القارّة) من المكسيك الى الأرجنتين تغلي ضد السياسة الأميركية، حيث الوصاية الأميركية منذ مئتي عام عمّقت شعور الظلم عند شعوب تلك القارّة التي عُدت يوماً الحديقة الخلفية لواشنطن.
لم تعد كوبا فيديل كاسترو وحيدة، انضمت اليها "البرازيل" بعد انتخاب "لولا"، ثم "فنزويلا" التي اختارت "هوغو شافيز"، ثم جاءت بوليفيا مع إيفو موراليس، والآن تشيلي مع فوز السيدة الاشتراكية ميشيل باشيليه.
وعلى الطريق بلدان أخرى، ربما منها دول كبرى مثل المكسيك والأرجنتين، وأخرى أقل حجماً مثل نيكاراغوا.. بات أعداء أميركا السياسيون هم رمز الشعب في القارة الأميركية وحماة مصالح بلادهم من وحشية الرأسمال الأميركي الذي امتص دماءهم وأفقرهم وجعلهم فريسة للأوبئة ولابتزاز شركات الأدوية والإعلام والتغذية الأميركية.
كانت البرازيل مثلاً مهيأة لتكون دولة عظمى لولا استباحتها واسترهانها من قبل شركات الاحتكار والمصارف الأميركية والدولية وخنق اقتصادها بالديون والقيود التجارية، وفرض السياسات التجارية والاستراتيجية عليها طوال القرنين الماضيين.
أما خارج القارّة الأميركية فإن استطلاعات رأي كثيرة تشير الى واشنطن وسياساتها بأنها أساس الخطر على السلام العالمي، خصوصاً الاستطلاعات التي جرت في أوروبا.
أما في المنطقة العربية فالمأزق الذي يواجهه المشروع الأميركي بات واضحاً، سواء أمام الشعب العراقي عبر العملية السياسية أو ميدانياً، وكذلك في الملف الإيراني وحتى في الموضوع الفلسطيني.
مشكلة البعض في لبنان أنه مستعجل لإنقاذ المشروع الأميركي للمنطقة عبر البوابة اللبنانية قبل أن ينهار المشروع برمّته بسبب إعاقاته الداخلية أو ممانعة قوى كبرى في المنطقة.
هكذا على وقع زيارات المسؤولين الأميركيين شبه اليومية الى لبنان تسارعت خطوات فريق المستعجلين لإنجازٍ ما يستطيع بوش ويمينيوه المتطرفون تقديمه في واشنطن لإنقاذ رئيسهم من الورطات "المكعبة" التي انزلق اليها.
أبرز هؤلاء اليمينيين الذين زارونا واحتفت بهم جماعة أميركا في لبنان هو أليون أبرامز، اليميني الصهيوني الذي هو إسرائيلي أكثر من اليسار الإسرائيلي.. جاءنا بعض مسؤولي 14 آذار مبتهجاً بزيارة أبرامز وولش بالقول: لماذا تتظاهرون؟ هذا أحد مسؤولي الشرعية الدولية؟!
بات الصهاينة في واشنطن هم رموز الشرعية الدولية لدى الموالاة وجماعة السلطة في لبنان، بمن فيهم اليساريون والاشتراكيون السابقون الذين باتوا الآن أكثر يمينية من "الجبهة اللبنانية" السالفة.
يسارية واشتراكية لبنانية تحت عباءة أليوت أبرامز ومجموعة "إسرائيل" الضاربة في الإدارة الأميركية: لغز يصعب حله وتصديقه، فاليسار لدينا ليس كيسار أميركا اللاتينية الذي يقارع الامبريالية في عقر دارها، والاشتراكيون لدينا هم حلفاء الرأسمال المتوحش القادم من "جنّة" العمّ سام، والتقدميون عندنا هم مساندو المحافظين الجدد في دعوتهم الى قلب الأنظمة "القومية" عبر الدبابة الأميركية، أو عبر انقلاب تدبّره الـ CIA.
عظيم هذا اليسار اللبناني ـ بعضه طبعاً، لأن قسماً أساسياً منه لا يزال مصراً على موقفه المبدئي الرافض للهيمنة والاستعمار الأميركي، وهو موقف يستحق التحية عليه ـ الانتهازي الذي يفضل بعض المراقبين تسميته "باليمين الفاشي"، ليكون أكثر انسجاماً مع سلوكه اللاتقدمي، (أي المحافظ بالمعنى السياسي الأوروبي ـ الأميركي).
شتان بين يسار أميركا اللاتينية الحي، المدافع عن الفقراء، المقاوم للهيمنة الأميركية والشريف، ويسارنا الذي بات أداة لليمين الأميركي في آخر تجلياته المحافظة وعلى أبواب محاكمة رئيسه بوش المحتملة بسبب خرقه الدستور في موضوع التنصت.. وعلى الأقل استجوابه وإخضاعه لمساءلة مهينة.
شتان بين "الانتهازية" السياسية التي يمثلها جماعة أبرامز في لبنان والمشروع اليساري الحقيقي الذي يمثله "موراليس" خير تمثيل.
د.حسين رحال
على العهد/ العدد 1145 ـ 20 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018