ارشيف من : 2005-2008

العدوان والرد القادم

العدوان والرد القادم

هل كان المطلوب أن تَضْعف المقاومة معنوياً حتى يسرح العدو في أرضنا عبثاً وفي شعبنا قتلاً دون رادع؟‏

سؤال واحد من مجموعة من الأسئلة الملحة في لحظة العدوان الاسرائيلي على لبنان التي كان أبرز جولاتها قتل الراعي الشهيد ابراهيم رحيل بشكل فظيع داخل الأراضي اللبنانية على الحدود مع الأراضي المحتلة، من هذه الأسئلة ما هي العلاقة بين المحاور الثلاثة:‏

1 ـ محور الضغط الدولي على لبنان والمقاومة تحديداً، وآخر تجلياته القرار 1566.‏

2 ـ محور الموالاة أو قسم واسع منها على الأقل الذي فاخر باستهداف المقاومة وقائدها ورموزها وما زال يشكك بولائها ووطنيتها وخلفياتها.‏

3 ـ محور الضغط الميداني الاسرائيلي عبر الخروقات المتعددة بحراً وبراً وجواً، وآخرها ما جرى في منطقة شبعا منذ يومين.‏

من حق اللبنانيين أن يفهموا ذلك مترابطاً، أي أن المسرح الدولي حول الجنوب والمقاومة محلياً وإقليمياً وعالمياً هو مسرح واحد ما دام المستهدف واحداً: قوة لبنان أمام العدو الاسرائيلي، وقدرته الدفاعية والردعية.‏

في هذا الإطار تأتي الحملات الاعلامية التي تنظمها أوركسترا موحدة، ومطبخ اعلامي موحد بين إعلام تابع لأحزاب وتيارات باسم طوائف عدة، ولكنه يعمل على نسق واحد: الحط من هيبة المقاومة وإضعافها معنوياً من خلال الغدر بها في الصحف والمرئيات والمقالات والمقابلات، وعلى الطرقات الرئيسية، كرسالة رمزية إلى شعبها وقيادتها.‏

ليس هناك عاقل لا يستطيع أن يعقل ما يجري على أنه منظومة واحدة مترابطة من أروقة مجلس الأمن مروراً باستديوهات الغرف السوداء في بيروت، وحفلات الجنون المتعددة، إلى خروقات شبعا، واستشهاد ابراهيم رحيل. لذلك ما كان للعدو ان يتجرأ على جس نبض لبنان ميدانياً لولا أن هناك من يمهّد الأجواء الداخلية لإضعاف جبهة لبنان أمام العدو.‏

لقد أثبتت دماء الشهيد الأخير في شبعا أن مشكلة رسم الحدود هي مع العدو وليس مع الشقيق، وأن من يحاول اضاعة البوصلة إنما يحوّل العداوة من "اسرائيل" إلى الدول العربية وسوريا تحديداً.‏

ولا يمكن أن يترك الشعب اللبناني مستباحاً أمام غارات العدو دون ممارسة حق الدفاع عن النفس، وإلا تمادى العدو في عدوانه وقتله.‏

لم يكن مجلس الأمن الدولي مع كل قراراته المنحازة إلى العدو أو التي كانت تحمل بعضاً من التوازن كانعكاس للتوازن الدولي خلال الحرب الباردة، ولو لمرة واحدة، حريصاً على معاقبة العدو على جرائمه أو ردعه عن غيرها، ولم يحرر لبنان أرضه عبر الشكاوى أو عبر القرارات، بل تحرر لبنان لأنه استند إلى قوته الذاتية مدعوماً بالعمق العربي والاسلامي، وليس بالانفصال عنه.‏

وعندما تعلن قيادة المقاومة أنها لن تسكت عن العدوان بل ستعاقب القتلة فإنها تعني ما تريد، وتعيد إلى لبنان بكامله قدرته على ردع العدوان، وتنشر مظلة الحماية باعتباره دولة معتدى عليها، وليس بلداً يشن حرباً على أحد.‏

لم يبادر أحد من مطلقي الشعارات اليومية وبلابل التلفزيون أصحاب شعارات السيادة من أصدقاء اليوت ابرامز وديفيد ولش وكوندوليزا رايس، الى ادانة العدوان الأخير، ولا إلى رفض تحميل أطراف لبنانية مسؤولية اعتداءات العدو والرد عليها من قبل المقاومة، كما لم يسارع مجلس الأمن أو الأمين العام للأمم المتحدة إلى أي إدانة أو فعل حقيقي لحماية لبنان.‏

لقد قال أهالي شبعا بالفم الملآن إننا نريد رداً مقاوماً عاجلاً على العدوان، وهذا لسان كل أهل الجنوب الذين يدفعون ضريبة العدوان، ويعرفون بالملموس ضرورة وجود قوة دفاعية قادرة على ردع العدو.‏

ثمة استعجال لدى البعض بحرق المراحل لاغتنام فرصة الاندفاعة الاميركية، برر له الهجوم على المقاومة وسلاحها، بغض النظر عن نضج الظروف الواقعية، لذلك كشف أوراقه قبل أوانها، لكنه الآن يقف أمام الحقيقة غير قادر على العودة إلى مواقعه السابقة، وغير قادر على الاستمرار في هجمته المكشوفة.‏

لكن العدوان الأخير كان أكثر من كافٍ لإزالة ما تبقى من أقنعة وشعارات ببغائية وخشبية عند مجموعة فاتها القطار قبل أن يأتي أصلاً إلى المحطة.‏

د.حسين رحال‏

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1147 ـ3 شباط/ فبراير 2005‏

2006-10-30