ارشيف من : 2005-2008
حوار وطني
لبنان أمام استحقاق كبير ومفترق هام في مساره السياسي العام هو استحقاق الحوار الداخلي الذي بدأ تحت قبة البرلمان بين الفرقاء الأساسيين الممثلين في البرلمان.
لعل من مميزات هذا الحوار الإيجابية هو انعقاده على الأرض اللبنانية وبدولة لبنانية وبإرادة لبنانية بما يعطي للقوى السياسية فرصة كبرى لمناقشة موضوعاتهم بعيداً عن وشوشات الخارج وإملاءاته وضغوطاته.
وقد أبدى معظم القادة استعدادهم المبدئي للحوار وشاركوا فيه برغم كثير من التباينات التي تطال قضايا أساسية في الساحة اللبنانية.
ان النيات الطيبة لا تصنع قدراً جيداً الا بقدر ترجمتها في آليات ووقائع مستندة إلى مبادئ عامة ضرورية.
فالحوار للحوار أمر غير مجدٍ، والحوار بلا سقف أمر غير مثمر، بل هو نوع من الفوضى السياسية التي لا تصنع وطناً ولا تبني دولة.
لا وطن في الدنيا دون سقف من الثوابت الوطنية والمسلّمات التي يلتقي عليها الشعب، وإلا تحوّل إلى مساحة عمياء لا تدعى وطناً ولا تبلور دولة، ولبنان أحد هذه البلدان التي ساهم اهتزاز الثوابت لديها في دخوله حروباً أهلية متعددة، فكان الاتفاق الأخير على صيغة التعايش الوطني هو ما أنجز في الطائف كحد لا يمكن تجاوزه في بناء النظام السياسي الداخلي وتداعيات الاحتلال الاسرائيلي والعدوان المستمر الذي حدد طبيعة العدو وحاجات مواجهته بما يحقق جوهر الميثاق الوطني، ما يعني ان السقف الوطني للهوية اللبنانية بات واضحاً وغير قابل للانتهاك في هذين الأمرين المتداخلين.
ثمة إذاً مرجعية عليا لكل حوار وطني هي هوية الوطن (المعبر عنها بوضوح في الدستور) وهوية الأعداء وهوية الأصدقاء، وآليات حل الخلافات الداخلية، وشكل المؤسسات الدستورية، لا يمكن الخروج عنها إلا بالخروج عن الدستور والوطن، ومن يفعل ذلك يكون قد عزل نفسه وجعل موقعه خارج أي سقف شرعي.
هوية لبنان العربية، العداء لـ"اسرائيل"، دعم المقاومة في مواجهة العدوان وأطماعه، والحل السلمي للخلافات، وعدم الانقلاب على الدستور، هي المسلّمات التي لا يستطيع أحد الغاءها، ولا يمكن أن يتجاوزها أي حوار أو نقاش سياسي قابل للحياة في لبنان.
مرجعية الحوار اذاً هي هذا السقف الوطني الجامع اذا أراد اللبنانيون الاحتكام إلى مرجعيتهم الوطنية، وليس إلى ارادات دول أجنبية تسعى لتحقيق مشاريعها على حساب اللبنانيين، كما هو الحاصل مع المشروع الاميركي لتغيير المنطقة.
اللبنانيون أمام فرصة حوار جدية تنطلق من مرجعية داخلية، وليس خارجية، تضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار، وتجعل من اللبنانيين مجتمعين أكثر قدرة على مواجهة الضغوط الدولية، وتجعل الحوار خاضعاً للسقف الوطني وليس لأي شرط من الشروط المسبقة.
تفعيل الحوار وإنجاحه يقتضي الاقلاع عن فرضية الغالب والمغلوب، وعقلية الفرض والإملاء، وإلغاء الآخرين، فالشروط الخاصة ومنطق الإلغاء أديا سابقاً إلى حروب لا نهاية لها، ودفع الجميع ثمنها، وما يهم اللبنانيين هو العودة إلى العقلانية والهدوء في معالجة الحلقات الساخنة، ومنع أي اختراق للمسلّمات الوطنية الكبرى، خصوصاً في قضية "الهوية": هوية لبنان العربي المقاوم غير الخاضع لهيمنة قوى الشر وعلى رأسها اميركا.
الحوار سينجح اذا صفت النيات والتُزمت المسلّمات ونُبذت الأحقاد ونُزعت أصابع التدخل الدولي الأجنبي وقُدمت المصالح الوطنية على الفرضيات الشخصية، وامتنع القادة عن إحراق البلد اذا تعارض الاستقرار مع مصلحتهم الخاصة، وقيادتهم لحشود معبأة عصبياً وطائفياً ومستقرة في عاطفتها وليس في وطنيتها.
لبنان أمانة بين أيدي قادة قلائل فهل هم يستحقون حمل هذه الأمانة، وهل يستغلون الفرصة المؤاتية أم يثبتون ان الوصاية والرعاية الخارجية ضرورة دائمة في بلد اعتاد زعماؤه على رعاية غير داخلية لتأمين سير النظام السياسي فيه؟!
الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1151 ـ 03/03/2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018