ارشيف من : 2005-2008
رمزية الزلزال الفلسطيني
الزلزال الفلسطيني يهزّ المنطقة كلها، فما اختارته الديمقراطية الفلسطينية منافٍ للإرادة الأميركية، بل هو رد ميداني من الشعب الفلسطيني على الأداء الأميركي الداعم للتعنت الإسرائيلي وللجرائم التي غطتها الإدارة الأميركية في مجلس الأمن الدولي وفي كل المحافل الدولية.
ليست المسألة مسألة فتح وحماس، هي أكبر من ذلك، لأن فتح التي لديها كتائب الأقصى كذراع مقاومة لـ"اسرائيل"، كان لديها كثير من المشاكل الداخلية، فلم تأتِ النتائج على خلفية صراع فتحاوي حمساوي بالمنظور الضيق، لأن كثيرا من المدعومين من كتائب الأقصى فازوا بمقاعد نيابية، لكن المسألة الأكثر دلالة هي رمزية انتصار حماس في مواجهة الإلغاء الأميركي ـ الدولي ـ الإسرائيلي.
إن كثيرين من أنصار ومؤيدي فتح أو القريبين منها صوّتوا لقائمة حماس، ليس لأنهم ضد فتح، بل لأن الشعب الفلسطيني استُفز وشعر بالمهانة من التسلط الأميركي الذي هددهم بالمساعدات الدولية وبقطع التمويل اذا ما اختاروا "حماس".. كما استفزتهم لهجة الاستعلاء والإملاء بأن واشنطن وأوروبا تصنفان حماس في لائحة الإرهاب وتؤيدان جرائم "اسرائيل" ضد قادة المقاومة الفلسطينية، بحيث ان جريمة اغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين وآخرين ما كانت لتدان من قبل أميركا وحتى بعض الأوروبيين.
صوّت الشعب الفلسطيني ضد أميركا وضد الاحتلال الإسرائيلي لمصلحة من حاصرهم البيت الأبيض ونعتهم بالإرهاب، وجاء التصويت لحماس تعبيرا عن رمزية المقاومة لأميركا و"إسرائيل" ومشروعهما في المنطقة، رمزية تمثل نموذجاً لرأي الشعوب العربية كلها اذا ما أجريت انتخابات حقيقية في كل البلدان العربية.
في اللحظة التي ظنّ جورج بوش أنه يحاصر قوى الممانعة ممثلة بحماس وحزب الله وسوريا وإيران، جاء الرد مدوّياً في العراق، اذ أسقط الشعب لوائح واشنطن واختار لوائح صُنفت بأنها قريبة من ايران.. وفي فلسين التف الشعب حول رمزية حماس المقاومة، فإذ بالحصار ينقلب على أصحابه ومخططيه، وتظهر شعوب المنطقة أنها الأقرب.. لأعداء أميركا.
لقد قدم الشعب الفلسطيني برغم ضغوط الاحتلال، ممارسة حضارية وديمقراطية.. كما أن فتح نفسها يسجل لها أنها أجرت انتخابات سمحت بتداول السلطة، وهي بالتأكيد ستستخلص الدروس المناسبة برغم أنها ما زالت في جزء أساسي من السلطة، لأن رئاسة السلطة ما زالت في يد فتح، وبالتالي فإن إدارة الشأن الفلسطيني تحتاج الى توافق فلسطيني سيؤدي اذا تحقق الى ما هو خير للقضية الفلسطينية، خصوصاً ضمن المسلمات الوطنية الكبرى المقدسة عند الشعب الفلسطيني ومحيطه العربي والإسلامي.
رمزية فوز حركة المقاومة الإسلامية تظهر أن الشعوب وفية لدماء شهدائها ولأبناء مقاومتها، وأن المعزول الحقيقي شعبياً هو المشروع الأميركي، وأنه مهما علا واستكبر وشن حملات حرب نفسية وتهويل إعلامي، فلا يعبر بالدقة عن واقع الأمور والمعطيات الفعلية.
هل يتعلم موالو أميركا في لبنان من درس فلسطين؟ وهل يستفيق ناقلو "البندقية" من كتف "اليسار" الى كتف "اليمين الأميركي" أو ممن غطوا في نوم سياسي طويل قبل استفاقتهم مؤخراً، الى أن الشعوب لا يمكن الاستخفاف بها، وأن الاتكال على دعم الأجنبي ليس دائماً هو الباب الصحيح لإدخال رياح التغيير.
من حق أميركا أن تشعر بأنها تعرضت لصفعة من الشعب الفلسطيني، ومن حق الإسرائيليين أن يُصدموا، لكن جماعة واشنطن في لبنان ماذا يفعلون؟ الفرصة لم ننتهِ بعد.. فهل من يستغلها ويعود الى ضمير شعبه؟
د. حسين رحال
على العهد/ العدد 1146ـ 27 كانون الثاني/يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018