ارشيف من : 2005-2008

جدار فصل لبناني

جدار فصل لبناني

الانتقاد/ على العهد ـ 1130 ـ 7 تشرين الاول 2005‏

لم يبق أمام بعض الأوساط السياسية في لبنان إلا أن تطالب علناً ببناء "جدار فصل" لبناني مع كل ما هو عربي، على امتداد الحدود اللبنانية السورية، وعلى محيط المخيمات الفلسطينية المنتشرة على طول الاراضي اللبنانية.‏

لكن هي النتيجة الاولى التي يتوصل اليها المراقب للحملة المسعورة التي شنت عبر وسائل اعلام محددة، وعبر شخصيات سياسية وبشكل مدروس ومتكرر لإثارة اللبنانيين تجاه أشقائهم السوريين والفلسطينيين، الى حد خلنا أنفسنا معها أننا لسنا في بلد عربي، بل ربما في بلد آخر يتماهى مع الموقف "الشاروني" القائم على العزل بالجدار "الاسرائيلي"، والاقتحام او التطويق العسكري. ولعل شارون الجديد يذكر بشارون القديم من مجازر صبرا وشاتيلا التي لم تخمد القضية الفلسطينية الى جدارٍ شاروني قد يتراءى للبعض إقامته حول مخيمات صبرا وشاتيلا، وما تلاها حالياً.‏

الشحن والتعبئة الاعلامية (التي لم نشهد تدخلاً للمجلس الوطني للاعلام لوقفها أو لنقابتي الصحافة والمحررين) وصلت الى حد تصوير مزارعين لبنانيين يدخلون أمتاراً عبر نهر فاصل في شمال لبنان أو عبر حدود غير مسيجة في البقاع على احدى الدواب من أجل المجيء بصحن فاكهة من شجرة من الضفة الأخرى، وكأنه اختراق لمقدسات أو طفرة اعتداء بين "قبيلتين" متخاصمتين الى حدود اقتسام الهواء اذا أمكن.‏

نسي هؤلاء أن هذه الحدود هي حدود اشقاء تسكنها أحياناً عائلات يوجد الأب على جهة والأبناء مقابلها، ويمتلك كثيرون اراضي في المنطقة الأخرى، ويسقون بساتينهم من النهر نفسه، وهناك أشجار تتدلى أغصانها على الحدود تماماً.‏

هذا الأمر قائم منذ عشرات ألوف السنين وتغييره هو الافتراق. وقطعه هو الاعتداء على الطبيعة والتاريخ. فأهل لبنان وسوريا يتقاسمون أنهراً مشتركة وأراضي متداخلة وعائلات مشتركة او متعاصرة الى حد ان حقائق الطبيعة والاجتماع ستحتم الالتقاء الدائم والعيش المشترك مهما أراد البعض أن يقسموه اصطناعياً.‏

في لبنان (والعالم العربي) موضة اسمها "الغربي برنجي"، أو عقدة الخواجة الغربي الا في المسائل الايجابية التي يمارسها الغرب.‏

ففي أوروبا يستطيع ابناء أي بلدين متجاورين (حتى ولو لم يكونا كلاهما عضوين في الاتحاد الاوروبي كسويسرا غير العضو والمانيا العضو) أن يدخلا الى حدود تصل الى 70 كيلومتراً في البلد الآخر للتبضع والشراء، أو القيام بأعمال مماثلة بسبب جيرة الحدود، هذا اذا لم نذكر التنسيق الأمني والاقتصادي والتسهيلات الكبيرة الخاصة المعطاة لدول الجوار، أما عندنا في لبنان فأجمل ما "نستحلي" من الغرب الـFBI, والـ CIA وخبراتهما، أما بيئة الحياة الانسانية المشتركة الآخذة في التبلور خصوصاً في المدى الاوروبي فهي أمر لا نأبه له.‏

في أوروبا يزيلون جدراناً أقامتها قوميات متباينة وشعوب تختلف لغاتها وتملك تاريخاً من الحروب لا يُنسى، أما في لبنان فيريدون بناء جدران من الحديد والنار، أو من القطيعة والجفاء، مع أبناء قوميتنا ولغتنا وشركائنا في حروبنا المشتركة ضد عدو غاصب مشترك.‏

عقلية "الغيتو" المستعلي على محيطه تبدأ مع الآخر الشقيق لتنقل لاحقاً الى المواطن الآخر في البلد نفسه، لتولّد "غيتوات" طائفية ومناطقية تفصل بينها جدران العصبيات والحقد، وربما تشعل جدراناً من النيران أصعب من أن يطفئها أحد من القلوب أو الواقع.‏

خطيرة تلك الدعوات التي تحاول الآن ان تبني جداراً نفسياً تقسيمياً بين اللبنانيين وأشقائهم العرب وخصوصاً السوريين والفلسطينيين، وكأن المطلوب التنكر للهوية الحقيقية لهذا البلد ليصبح الباب الوحيد المفتوح لاحقاً هو باب العدو الاسرائيلي.‏

انه منطق خطير، وهو أيضاً مخالف لقوانين الطبيعة والتاريخ والاجتماع والتطور البشري.. ولإرادة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.‏

د.حسين رحال‏

2006-10-30