ارشيف من : 2005-2008
عولمة الكوارث الطبيعية والسياسية
ماذا يستفيد الانسان في العالم من كل هذا التقدم العلمي والتقني اذا لم يستطع التخفيف من معاناة الفقراء والمصابين والمستضعفين، وما دام هذا "التقدم" لا ينعكس أملاً في تحسين حياة كل البشر في دول فقيرة كباكستان والهند واندونيسيا وسيرلانكا، وكذلك في نيواورلينز وغواتيمالا على الطرف الآخر للكرة الأرضية.
ثمة عولمة في الفقر والمصائب والويلات تجمع اطراف العالم المهمش بدوله الفقيرة والشرائح المعدمة في العالم المتقدم حتى داخل اميركا نفسها، تُدخل نوعاً من الشعور المشترك بين فقراء العالم ومستضعفيه، ليس فقط لأن المصيبة تجمع وتوحد الشعور أمام كوارث لا يملك الانسان أمامها قضاءً ولا قدراً، بل لأن هناك جهة انسانية تتحمل مسؤولية في ايصال أوضاع الدول الفقيرة النائية والطبقات المسحوقة في الدول المتقدمة الى ما هي عليه.
أول هذه السمات هي التمييز ضد مستضعفي الضفتين الفقيرة والمتقدمة، فالصرخات التي رفعها ابناء كشمير ضد حكومتهم وحكومات العالم بسبب تجاهل مأساتهم وتركهم للموت والجوع، هي نفسها صرخات سود نيوأورلينز الاحتجاجية بعد اساءه انقاذهم بعد الاعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة قبل اسابيع قليلة.
فالعولمة التي استشرت في بداية القرن الحادي والعشرين تحمل في أعماقها البنية التحتية "التمييزية" الأصلية التي تنعكس في اداء البنية السياسية الفوقية التي تمثلها الحكومات والمنظمات الدولية. وهي أعماق تمثلها فئة صغيرة تملك سلطة المال والمعرفة والاعلام والتقنية، تقسم الفقر والتنمية بين الدول وبين الشرائح وفقاً لمعايير متعددة بعضها سياسي وبعضها عرقي وبعضها لدواعي السوق الذي فرضته على الكون.
توزيع الدخل وتقسيم العالم الدولي يحتم على جنوب آسيا في الهند وباكستان البقاء أيدياً عاملة رخيصة الثمن تستطيع بموجبه شركة رياضية ـ اعلانية واحدة ان تصنع ملايين الأحذية في اندونيسيا وباكستان بتكلفة 30 مليون دولار، تدفع هناك لعشرات آلاف العمال وثمناً للمواد الخام مقابل 30 مليون دولار أخرى ثمناً لطلة نجم كروي عالمي يضع أمواله في بنوك الغرب، ومقابل ملايين أخرى فائض قيمة مذهلاً سيرتد في جيوب أصحاب الشركات والبنوك الغربية.
لا يعفي ذلك حكومات وسلطات العالم الثالث من المسؤولية، فهي واستراتيجياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تخدم السياق العام لقادة العالم، لكن هؤلاء هم انفسهم يشكلون جزءاً من التخلفين الداخلي والخارجي في العالم الثالث. لأن بقاء حكام كهؤلاء لا يتم دون وجه دولي يعترف بهم، ويسوّق شرعيتهم الشكلية في محافل العالم.
حكومات عسكرة وفقر هي حليفة مقبولة للولايات المتحدة على حساب حكومات اخرى ديمقراطية وتنموية ممنوعة من الوصول الى الحكم لأنها قد تأتي معادية للسياسة الاميركية، والنموذج الباكستاني الراهن أوضح مثال.
النظام العسكري الباكستاني الفاقد للشرعية الديمقراطية يتمتع بدعم غير مسبوق من الكارتل الاحتكاري الاميركي على حساب الديمقراطية الفعلية في البلاد، وهو فاقد أيضاً لشريحة الوظيفة اليومية للسلطة، وهي ادارة حاجات المجتمع ومواجهة مشاكله، ومثال الفشل في اغاثة منكوبي الزلزال الأخير أوضح ما يمكن ايراده على ذلك.
فالعجز الاداري الحكومي كان لافتاً، وأضيف اليه التمييز الدولي العربي بين فقراء زلزال باكستان ومصابي اعصار اميركا، حيث بادرت دول عربية بالتبرع منفردة بنصف مليار دولار لدعم منكوبي اميركا في نيوأورلينز مقابل تلكؤ وتأخير ومبلغ أقل من خمس ما تبرعت به لمنكوبي الزلزال.
مصيبة الكوارث هي جانب واحد لعولمة النكبات الطبيعية والتي تكملها عولمة السياسات المتحكمة بالكون وبالعالم الثالث، ومنها فرض حكومات الجنرالات والفقر كحلفاء للغرب الرأسمالي، ومواجهة مشاريع الاستقلال الوطني والتنمية الفعلية ومكافحة الفقر التي تقودها أنظمة مثل ايران وفنزويلا.
انه نموذج غير "مشرّف" تريد قيادة العالم الرأسمالي فرضه كممثل لدول العالم النامي، ثم يبشرون بين ابنائه بالديمقراطية والرفاه؟!
د.حسين رحال
الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1131 ـ 14 تشرين الاول/ اكتوبر2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018