ارشيف من : 2005-2008

"الغدر" ديمقراطياً

"الغدر" ديمقراطياً

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1140ـ 16/12/2005‏

من تابع الخطاب السياسي اللبناني مؤخراً يظن للوهلة الأولى أننا في السويد أو بريطانيا أو فرنسا لشدة الحديث عن الديمقراطية والتصويت والأغلبية والأقلية والممارسة الحضارية داخل مؤسسات الدولة، وخصوصاً مجلس الوزراء.‏

غاب منظّرو الديمقراطية "التوافقية" وبات لبنان الآن بلا خصوصية تميزه، ولا وضع خاص تموت معه مقولة "أقلية" و"أكثرية" ومقولة التعداد والعد منذ الطائف، وحضر منظّرو العد وحاملو العدادات في مجلس النواب والوزراء حتى في الشارع ليقولوا ان الأكثرية مع هذا الفريق وليست مع ذاك.‏

هل بتنا أمام ديمقراطية عددية، فالتصويت في مجلس الوزراء تعبير عن ذلك، وهو سابقة تاريخية قد يعتبرها البعض نصراً سياسياً على ما يسميه "الأقلية" الوزارية، برغم اشكالية ما حصل، فإنه من حيث المستقبل القادم، ثمة في ما حصل سابقة فعلية قد تقلب الأمور وتجعل الذين دعوا الآن الى التصويت يندمون لاحقاً على ما فعلوا.‏

فالتحالفات السياسية في لبنان متغيرة، ومن لديه أكثرية عددية الآن ربما يصبح في وقت ما "أقلية"، وعندها سوف يصاب بسيف ما سنّه الآن خصوصاً بعض الأطراف التي تعاني من وضع ديمغرافي قد لا تسمح له ظروفه لاحقاً بتحالفات تعطيه تغطية عددية بأصوات غيره.‏

ما دام الأمر ديمقراطياً وتصويتاً، وأقلية وأكثرية، فليكن الأمر دائماً على هذا المنوال، ولتحسم خلافاتنا بالتصويت الشعبي، الاستفتاء الشعبي على القضايا المصيرية هي الأكثر ديمقراطية وشرعية في كل الأنظمة الديمقراطية، سواء في المجال الاقتصادي وتوجهات الدولة نحو الخصخصة أو مسائل الضرائب والدين، وقد يأتي غداً من يحق له أن يطلب انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة كحل ديمقراطي حقيقي لأغلبية حقيقية وأقلية حقيقية.‏

أما حديث مجلس الوزراء الأخير فليس معزولاً عن تطورات الوضع الاقليمي والدولي المحيط بلبنان، حيث تنتظر دول الهيمنة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة طلباً لبنانياً الى مجلس الأمن الدولي بتشكيل محكمة دولية في موضوع اغتيال الرئيس الحريري، وتوسيع أو تعيين لجان دولية جديدة للتحقيق في الاغتيالات الأخيرة بدءاً بمحاولة اغتيال مروان حمادة.‏

هكذا ربط التوقيت اللبناني على توقيت نيويورك كما قال الوزير طراد حمادة، وحكمت معطيات الخارج أولوياتها على توافقات الداخل في اطار حملة واشنطن على سوريا بعد أن علم ضعف وإرباك تقرير ميليس الثاني، وكلام تضمنه رأي أدلة فعلية ملموسة، ما حوَّله الى تقرير اتهام سياسي أكثر منه قضائياً.‏

ان التصويت في مجلس الوزراء الأخير عدا عن أنه رفض للحوار الذي بدأ بين الأطراف حول مسألة المحكمة الدولية، وحسم المسألة خارج التوافق وبدكتاتورية رأي معين على حساب بقية اللبنانيين ممن هم ممثلون في مجلس الوزراء أو غير ممثلين، فإنه يأتي بمثابة عملية "غدر" سياسي غير مسبوق بين من يفترض أنهم حلفاء أو على الأقل "متفاهمون" على حكومة ائتلافية تأخذ قرارات ذات طابع مصيري بالتوافق والنقاش، إذ أن الحكومة جاءت نتيجة انتخابات نيابية شكلت اغلبية بناءً لتحالف سياسي، فإذ ببعض اعضاء التحالف يستخدمون سيف الغالبية على رفاقهم الذين ساهموا بهذه الأغلبية.‏

هناك من يقول في لبنان ان حكومة السنيورة وجماعة 14 آذار اتخذت قرارات مصيرية في موضوعي المحكمة وتوسيع التحقيق الدولي بغياب ممثلي شريحة سياسية أساسية تمثل 35 نائباً في البرلمان، وتمثل طوائف أساسية، ما يجعل هذه القرارات فاقدة للشرعية الفعلية وغير ديمقراطية من الناحية الجوهرية حتى ولو كان الشكل الديمقراطي موجوداً ظاهرياً فقط.‏

ما حصل سيكون له أثر خطير على مستقبل لبنان، وعلى دور طوائف وشرائح تعتبر نفسها أقليات طالبت سابقاً بالتوافق لحماية نفسها، من الأكثرية، والآن خلع بعض ممثليها رداء التوافق من أجل صفقة سياسية محلية ـ دولية ربما تكون هي نفسها ضحية هذه الصفقة لأن دولاب السياسة الدولية لا يبقى على حاله، وغالباً ما تدفع القوى المحلية الصغيرة ثمن رهاناتها على الخارج قبل أي جهة أخرى.‏

د. حسين رحال‏

2006-10-30