ارشيف من : 2005-2008

قبل شارون وبعده

قبل شارون وبعده

للبنان قصة خاصة مع أرييل شارون مليئة بالدماء، فهو "عرّاب" اجتياح العام 1982 الذي أوقع عشرات ألوف الضحايا اللبنانيين وغير اللبنانيين، ودمّر القسم الأعظم من البنى التحتية اللبنانية متسبباً بخسائر بلغت مليارات الدولارات، أما "انجازه" الأسوأ والأكثر فظاعة فكان مجازر صبرا وشاتيلا التي أودت بحياة بضعة آلاف من اللبنانيين والفلسطينيين بعدما أدخل وزير حرب العدو حينها ميليشيات موالية لـ"اسرائيل" الى المخيمين بحجة الانتقام لمقتل بشير الجميل، وأشرف على ذبح الأطفال والنساء والرجال في مذبحة لم يحاكم عليها أحد أو يقدم للمحاكمة برغم كل محاولات اثارة الموضوع دولياً ومحلياً.‏

أما فلسطينياً فمنذ الاربعينيات والخمسينيات بدأ شارون نشاطه "الارهابي" بمجزرة "قبية"، وبالأسرى المصريين خلال الحروب مع العدو، وبالفظائع المرتكبة ضد غزة منذ أواخر الستينيات.‏

يمثل "شارون" نموذجاً لبطل اسرائيلي بنى مجده القومي على ذبح العرب وتهجيرهم، وهي آلية نفسية ـ ذهنية ـ مجتمعية في الكيان الصهيوني القائم على القتل الجماعي والتهجير للسكان الأصليين في فلسطين المحتلة، تجعل من انتاج جزاري "اسرائيل" عملية ذاتية ودائمة.‏

بذلك يقدم لنا النموذج الشاروني الوجه الاسرائيلي البشع بأكثر صوره وضوحاً، اذ هو ليس شخصاً امتاز بشذوذ سلوكه ونفسيته، بل هو صناعة مجتمع وثقافة ودولة صهيونية، قابلة على انتاج المزيد كما انتجت من سبق كمناحيم بيغن واسحاق شامير وبنيامين نتنياهو وإيهودا باراك (قائد وحدة اغتيالات بيروت في أوائل السبعينيات) وشمعون بيريز ("بطل" مجزرة قانا).‏

إن كياناً قائماً على الإرهاب والاغتصاب والقتل والتشريد لا يمكن ان ينتج "قائداً" الا شارون أو نسخة ذات قناع بملمس الحرير (على غرار بيريز).‏

ثمة مفارقة مذهلة هي أن أمثال هؤلاء القتلة يقدمون في العالم كأبطال سلام مثل رابين وبيريز في حالة جائزة نوبل للسلام، فيما شارون قدم على يد الادارة الاميركية الحالية على أنه رجل السلام في الشرق الأوسط في احتقار واساءة الى أرواح كل شهداء لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا وقانا وغيرها.‏

على أن القصة اللبنانية مع أمثال شارون لا تقتصر على حياته، بل أيضاً على انعكاسات غيابه في الغيبوبة أو الموت، اذ ان لبنان ليس جزيرة معزولة عن العالم أو عن محيطه العربي الذي يتعرض لحملة اميركية ـ اسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع الصمود والممانعة، وخصوصاً أن هناك من يعتبر نفسه في حل من التزامات لبنان مع محيطه بحكم هويته وانتمائه.‏

ثمة من يعتقد في لبنان أن اللوم يقع على ضحايا صبرا وشاتيلا مثلاً لوجودهم في لبنان، وليس على شارون الغازي، وأن الاجراءات اللبنانية يجب أن تطال الضحايا الأحياء الفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم للتضييق عليهم والتحريض ضدهم، وليس اتخاذ اجراءات دفاعية واستراتيجيات للردع لمنع "اسرائيل" من طرد المزيد عندما يصبح ذلك متاحاً لها عند تحريك بنود الحل على حساب الضفة الغربية وأبنائها، وربما أيضاً عبر تهجير فلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948.‏

لا ننسى ان لشارون "اصدقاء" سابقين في لبنان يعرفون أسلوب تفكيره ونياته تجاهنا، وهم الأقدر على تحديد مخاطر المدرسة الشارونية على لبنان والمنطقة.‏

في لبنان كثيرون خبراء في أصحاب الملفات اللبنانية من الدول والكيانات المجاورة: اختصاصيون في التعرف الى ما يريده الآخرون من لبنان، لكنهم الآن يحاضرون بالسيادة والوطنية والاستقلال، ويعطون شهادات للجميع بمن هو وطني ومن هو يعمل للخارج، بمن في ذلك المقاومة.‏

أليس في ذلك مفارقة مذهلة.‏

د.حسين رحال‏

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-30