ارشيف من : 2005-2008

هلال.. فلسطين

هلال.. فلسطين

الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1133 ـ 28 /10/2005‏

فضح الرئيس الايراني أحمدي نجاد الجميع، خصوصاً مزايدي العروبة والإسلام، والحاملين لراية محاربة الخطر الداهم من البوابة الشرقية، وشرف القبائل العربية، من أن يدهمه النفوذ الايراني المتوسع سلماً على الرغم من كل حروب ودسائس وجهود أميركا وحلفائها.‏

فضحهم احمدي نجاد بالممارسة والخطاب، فرئيس دولة نفطية هامة لا يزال أقرب الى سلوك ابن الشعب في حياته اليومية، وفي أدائه أمام المنظمة الدولية (الامم المتحدة) دفاعاً عن حقوق المستضعفين في بلاده وخارجها، وفي معاندته الادارة الاميركية الى حدود حافة المواجهة برغم أن قواتها تحاصر بلاده من كل الحدود دون استثناء، وفي الخطاب لم يعدل الرئيس الايراني عن ثوابته وثوابت مظام بلاده الاسلامية والوطنية، حتى ولو بلغت تهديدات القطب العالمي الأوحد حدود تحويله الى مجلس الامن الدولي.‏

عندما يتحدث الرئيس الايراني عن القدس وفلسطين و"اسرائيل" فإنه ينطق باسم الغالبية المهمشة والمقموعة من الشعوب الاسلامية والعربية، فيعبر عن ضميرها المستتر من الخوف والقمع الذي تمارسه أنظمة بقيت خمسين عاماً تحيّد قدرات بلادها عن الخوض في مواجهة حقيقية ضد الكيان الصهيوني.‏

نطق أحمدي نجاد باسم شعوب الخليج التي تهفو الى فلسطين، لكن حكامها يمنعونهم حتى من التبرع "بريال" الى عوائل شهداء الانتفاضة المباركة.‏

وجد الناس في تلك البلاد أن أحمدي نجاد الذي يصوره اعلام بلادهم رئيساً لدولة "شبه معادية" تريد النيل من حقوق العرب ونفوذهم الاقليمي، هو أقرب اليهم من حكوماتهم في قضايا الأمة والدين والصراع الاستراتيجي الدائر.‏

هم يتهمون اميركا بتسهيل نفوذ ايران في العراق، ويتهمون غالبية الشعب العراقي باللاوطنية بسبب روابطه مع ايران، هم من يعطي أميركا أكثر مما تطلب، وهم الذين أعطوها قواعد عسكرية لتضرب العراق، والتزموا كل سياستها بلا اي مظهر من مظاهر الكرامة الوطنية الى حدود الاستعداد للتطبيع الكامل مع العدو لمجرد ان يدعوهم ارييل شارون الى مائدة المفاوضات باسم سلام مزعوم لا يرجع الحقوق، ولا يمنع تهويد القدس.‏

حكام مفضوحون بسلوك لا يظهر مدى سوئه سوى سلوك الرئيس الايراني الشعبي السوي والصادق. يرسلون دعماً بمئات ملايين الدولارات الى الحكومة الاميركية الغنية بعد اعصارات الاطلسي، لكنهم يبخلون على فقراء باكستان المسلمين بمساعدات حقيقية لا تساوي عشر ما أرسل الى اميركا قبل أسابيع.‏

حكام عرب آخرون كل همهم تسييج "اسرائيل" بحزام أمني شائك يطارد قادة المقاومة الفلسطينية، ويمنع وصول إمدادات فعلية الى المنتفضين، وفي المقابل يرفعون راية الخطر من هلال شيعي مزعوم بالقول انه يمثل خطراً على مصالح اميركا و"اسرائيل".‏

حكام تفضحهم مزايداتهم باسم العرب السنّة، وهم سلموا كل العرب مسلمين سنّة وشيعة ومسيحيين الى نجمة "اسرائيل" الزرقاء ليمدوا نفوذ النجمة الصهيونية فوق البادية وحقول النفط المجاورة، ويسهلوا دخول موسادها الى العراق وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان، ومع ذلك يؤرقهم "هلال" يزعمون أنه يهددهم ويهدد "النجمة" الزرقاء، والعلم ذا الخمسين نجمة.‏

حكام أذلاء عند أصغر موظف أميركي من الدرجة السادسة او السادسة عشرة لا فرق، يأتيهم على حين غفلة يجتمع بالكبير والصغير دون حفظ حتى حقوق البروتوكول، سواء كان موظفاً مدنياً ام ضابطاً من قوات اميركية تحتل الهلال والخليج والدلتا والجزيرة والرافدين، ومع ذلك لا يجد عربان الصحراء في ذلك خطراً على الهوية والدين والطائفة والنفط والمستقبل والقدس وفلسطين، اللهم الا النفوذ الايراني.‏

ايران التي تتحمل كل الضغوط الدولية والحصار الاميركي المتزايد في كل الساحات لصدقها في الموضوع الفلسطيني لم تقدم تنازلاً واحداً في هذه القضية لتخفف عنها كل هذه الوطأة الاميركية المتزايدة، وهي تعرف ان المطلوب منها هو أقل بكثير مما قدمه عرب المزايدات (وأعداء الهلال وأصدقاء النجمة) وأن أي تنازل ايراني في القضية الاساسية (أي الصراع مع العدو الاسرائيلي) يقابله اغراءات لم يحصل عليها أي من حكام البدو الحضر الجدد، وأن نفوذها سيمتد على هؤلاء وغيرهم لمجرد قبولها المساومة على بعض ما باعوه هم للعم سام، والبلدوزر الاسرائيلي، وزادوا عليه خدمة مجانية لـ"اسرائيل"، وهي تأجج الخلافات بين جناحي الأمة الشيعة والسنة عبر محاولاتهم الفتنة في العراق وخارجه.‏

الخطاب الايراني الواضح والحاسم في القضية الفلسطينية، ودعم مختلف الفصائل المقاومة من على أعلى منبر رسمي ايراني، يفضح عرب "الخيانة" وخطابهم الشعوبي والتسووي، وحملاتهم المسعورة باسم مذهبية عصبية، ويضعهم تحت كاشف الحقيقة أمام شعوبهم والعالم، فالهلال الذي تمثله ايران هو هلال يربط طهران بالقدس بعدما كسر الأعراب كل هلال آخر عن الوصل بقدس فلسطين، واستبدلوه بعلاقات علنية أو مخفية مع نجمة داوود.‏

والهلال الايراني هو هلال الوحدة بين السنة والشيعة، الذي يحمي فلسطين ويسترجع القدس، هو هلال تخشاه "اسرائيل" وأميركا، وتحاصره في مجلس الأمن، وتهدد بضربه عسكرياً اذا ما استمر شرياناً حيوياً لأبناء فلسطين، ورئة يتنفسون منها.‏

انه الهلال الذي ما زال ينبض عداءً للمشروع الصهيوني، وشكل مع العمق السوري مدى حيوياً للمقاومة اللبنانية التي قدمت أول تحرير عربي في مواجهة الاحتلال الصهيوني.‏

عندما يتحدث أحمدي نجاد عن القدس وفلسطين ترتعد فرائص الصهاينة لانهم يعرفون ان الكلام الايراني له معنى، ويستند الى قدرات استراتيجية واستقلال حقيقي في القرار والسياسة، لأنهم يشعرون بوطأة الهلال الفلسطيني الذي تشكله ايران مع سوريا ولبنان (برغم محاولات الحرف والانقلاب) انه هلال القدس الذي يبشر بقرب العيد...‏

أليس الصبح بقريب.‏

د.حسين رحال‏

2006-10-30