ارشيف من : 2005-2008
أنا الرئيس
الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1132 ـ 21/تشرين الاول/ اكتوبر 2005
"أنا الرئيس"... قالها صدام حسين في المحاكمة التلفزيونية التي نقلت مباشرة الى كل منزل في العراق وخارجه. ولم يسأله القاضي هل رئاسته ما زالت مستمدة من نسبة لم يسجلها التاريخ ولا مرة الا في عهده وهي 100% تأييداً التي أجراها قبيل سقوطه بأشهر، أم بأصوات مئات الألوف ـ قد تصل الى مليونين أو أكثر ـ من جماجم العراقيين الذين سحقهم بدباباته وصواريخه وطائراته (لن نحتسب الآن ملايين أخرى في عدوانه على الكويت وايران).
رئيس العراق بمئة بالمئة من الأصوات لو بقي في السلطة اعواماً قليلة لربما أكمل رئاسته بتصفية نصف الشعب العراقي الذي يتكلم باسمه ولو من وراء القضبان.
يكفي العراق فرادة أن جمع عليه مصيبتين: ديكتاتورية الاستبداد الوحشي وديكتاتورية الاحتلال الماكر، وكلاهما وجهان لعملة واحدة، فإن مآثر صدام الرئيس اختتمت بجلبه للاستعمار مجدداً بعد عشرات السنين من الاستقلال، بعد أن أوصل الأمور الى حد التقسيم بقرار الحظر الدولي الجوي الذي منع قوات الدولة العراقية منذ العام 1990 من دخول محافظات الشمال، منذ العام 1991 وتأسيس كيان كردي لمدة 13 عاماً دون أي وجود للسلطة المركزية، ولولا دول الجوار الخائفة وعلى رأسها تركيا لربما تحول الكيان الكردي الواقعي الى دولة معلنة.
أنا الرئيس ذو 100% أصوات انتخابية.. أعظم من تسلط على بلد الى حد قصف المواطنين في حلبجة وفي غيرها بالسلاح الكيماوي، أليس مأثرة لم يصنعها زعيم في العالم كله. الاميركيون دمروا بإجرام في عهد ترومان "المجرم" مدينتين يابانيتين مع مئات الوف البشر، لكنهم حرقوا مواطنين خارج بلدهم، أما صدام فله تسجل حقوق الطبع الخاصة بإبادة شعبه بالسلاح الشامل.
أنا الرئيس.. لم يبق أحد الى ضرب أماكن مقدسة ومساجد تاريخية وأضرحة ائمة والسكان المحيطين بصواريخ سكود وفروغ، فقتل فيها من البشر مئات الألوف فيما لم تسفر "صواريخ" صوتية قصفت على "اسرائيل" على عدد اصابع اليد الواحدة عن القتل.
مسكين شعب العراق من الذبح الى الذبح، الذبح باسم القومية والعروبة والوحدة وحرب الفرس والمجوس وحرب الاثرياء الانتصار في الخليج على يد صدام الى الذبح باسم شعار الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية على يد جورج بوش، الى الذبح باسم الاسلام والدين على يد التكفيريين الزرقاويين والحمراويين.
اذا كان صدام مجنون عظمة داس على جماجم العراقيين والجيران بجزمته دون وجل، وداس الاميركيون عليه بجزمتهم، وخسر كل حروبه ومع ذلك يعتبر نفسه منتصراً ورئيساً... للعراق، فمنتهى الجنون والمرض النفسي لديه أن يحول الأمر مشهداً كاريكاتورياً مضحكاً. لكن المآسي الفعلية لا تنتهي، إذ يمتد حبل الجنون الى كثيرين ما زالوا يرفعون شعارات صدام وصوره التي أودت بالأمة العربية الى الهاوية.
منذ انقلاب 1968 العراقي المنسق مع السفارة البريطانية والاميركيين، والذي جاء بمجموعة البكر ـ صدام وحلفائهما الى الحكم خشية النفوذ الشيوعي آنذاك، واميركا شريكة في كل جريمة قام بها هذا النظام.
وهذا النظام البائد شريك في استجلاب اميركا الى المنطقة منذ تنسيقه مع رامسفيلد والـ CIA ضد ايران في الحرب عليها، ومنذ رفع الاعلام الاميركية على سفن الكويت الحاملة لنفط العراق لحمايتها من الايرانيين بطلب عراقي.
ومنذ تورطه في حرب الكويت بإشارة اميركية ملغومة. والى اعطائه المجال كاملاً لاميركا باحتلال العراق من خلال اداء سياسي متخلف وأداء عسكري انهزامي، وتسليمه غالبية المدن للاميركيين، صدام مجرم بحق الانسانية، وتجب محاكمته واعدامه عشرات المرات، لكن اميركا ورؤساؤها من ريغن الى بوش الأول الى الثاني وما بينهما شركاء لصدام في حروبه التي أمدوه فيها بالسلاح ضد ايران، وفي اسلحة الدمار الشامل ضدها وضد شعبه، تجب محاكمة صدام، وكذلك من اعطاه التغطية السياسية والدعم والسلاح لقتل الملايين، لأن صدام لولا الحماية الغربية لما بقي في الحكم وارتكب بقية مجازره، لا خلال حربه ضد ايران الا بعد الانتفاضة الشعبية العام 1991.
صدام والادارة الاميركية شركاء في الجريمة، وجهان لمصيبة واحدة على العراق والامة العربية والاسلامية، وتجب محاكمتهما معاً في كل الجرائم المشتركة.
د.حسين رحال
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018