ارشيف من : 2005-2008
درس الجنوب
الانتقاد/ على العهد ـ العدد 1137 ـ 25/11/2005
كان ضرورياً أن تتصدى المقاومة للعدوان الاسرائيلي المتكرر قبل أن يصبح الاستثناء هو القاعدة والقاعدة هي الاستثناء.
تمادى العدو على مدى أشهر في اختراق الأجواء والمياه والأراضي اللبنانية فلم تردعه بيانات خجولة لبعض مندوبي الأمم المتحدة، وكأن لبنان مستباح السيادة والحقوق، فجاء التصدي لدورية تخترق الحدود في الغجر في لحظة كاد يشعر فيها الاحتلال أنه يعرض واقعاً جديداً على المقاومة ولبنان، فكان التصدي تحقيقاً لارادة اللبنانيين في تأكيد استقلالهم وحماية أرضهم في مناسبة عزيزة هي يوم الاستقلال. لقد استشهد أربعة من مجاهدي المقاومة في المواجهات البطولية ليعطوا الاستقلال لونه الأحمر الحقيقي، وليشيروا الى كثيرين زاغ بصرهم، فظنوا ان الاستقلال يكون بارزاً كلما رفعوا سلاحهم السياسي والاعلامي (وربما غيره) بوجه المحيط العربي، مستبدلين العداء لـ"اسرائيل" باستعداء سوريا والفلسطينيين مجدداً.
هكذا أعادت بندقية المقاومة البوصلة الوطنية لاتجاهها الصحيح الذي وحده ينسجم مع روح الوفاق الوطني ومندرجات اتفاق الطائف والدستور اللبناني في تحديد العدو والصديق.
لقد كان الرد المقاوم قوياً وقاسياً على مواقع وقطعان جيش الاحتلال الذي وصفه بأنه أعنف هجوم يتعرض له جنوده منذ العام 2000، واعترف بأكثر من 11 إصابة بعضهم في حالة الخطر الشديد. لكن ذلك كان مجرد الظاهر في الحجم الحقيقي للرد الذي أظهرت بعضه صور الاعلام الحربي لدبابات وآليات العدو، وهي تتلقى الضربات غير قادرة على فعل شيء، ومواقعه المحصنة تدك بالقذائف المدمرة وتحترق محتوياتها دون قدرة على منع الهجوم. هي صورة رمزية لموقف استراتيجي يعيشه جيش العدو أمام الصمود اللبناني حيث تستطيع المقاومة إنزال الضربات القاصمة به عندما تجد اللحظة والمكان المناسبين، وتلقن قطاعاته درساً في عدم الاستعلاء على الآخرين.
لقد أعادت الصور الحية اللبنانيين الى ذاكرتهم الحقيقية عن انتصارهم على العدو، وتشحن هذه الذاكرة بصور جديدة عن هزيمة جيش أكثر من استعراضه لقوته على الجميع، تستكمل الذاكرة السابقة التي رسخت على مدى 22 عاماً من المقاومة.
استلم الاسرائيليون الرسالة وجاءهم تفحصهم لقدرات المقاومة على الرد بجواب ساحق أعاد للجندي الاسرائيلي صورته المهشمة الذليلة، فالتمادي بالانتهاكات لا يعني عدم استعمال حق الرد المقاوم، بل ان قدرة الردع ومنع العدو من التمادي كانت بحاجة الى رد حاسم كالذي جرى لتوقف العدو عند حده.
كان خيار العدو بعد ذلك واضحاً: محاولة الدس وتأليب اللبنانيين على بعضهم البعض وعلى المقاومة في عودة الى أساليب بالية رذلها اللبنانيون منذ بدأوا يستذوقون الانتصار عبر رجال المقاومة، وهي أساليب اسرائيلية تستنسخ مرحلة ما قبل 1982، في حين أن لبنان يعيش في مظلة ما بعد العام 2000، والفارق بين المرحلتين كبير.
لكن مضمون الرسالة الدعائية الورقية جاء منسجماً مع بعض الأصوات اللبنانية التي كانت دوماً ضد مشروع المقاومة، والتي شعرت أن انتصار أيار 2000 قد أصاب مشروعها بالصميم، فوجدت نفسها أقرب الى العملاء والدفاع عنهم، والآن يجد البعض نفسه أقرب الى منطق الدعاية الاسرائيلية المحرضة على المقاومة ومشروعها.
لحظة انكشاف يعيشها البعض حين يظن أنه يستطيع ان يرفع القناع "اللبناني" الذي رفعه لسنوات، محاولاً التمايز عن المقاومة ومنطقها وليس الاصطدام. الآن ظن نفسه قادراً على كشف القناع والظهور بوجهه "البشع" أمام اللبنانيين، حاملاً منطقه الحقيقي الذي أخفاه 15 عاماً.
انها لحظة الحقيقة ليظهر البعض على حقيقتهم أمام اللبنانيين دون كذب وأقنعة، ليحسموا خيارهم مع أي مشروع ومنطق هم.
اللبنانيون سيحكمون على الجميع خصوصاً الذين زايدوا "باللبنانية" على الآخرين وعلى المقاومة، فلم يشهدوا منهم لا بعد العام 2000 ولا بعد الانسحاب السوري عام 2004 اي ترجمة للادعاءات "الوطنية"، فلا هم ساهموا في تحرير شبر من مزارع شبعا، ولا قدموا صرخة حقيقية في وجه أميركا أو الأمم المتحدة للضغط عليهم، ولا هم ساهموا بنشاط حقيقي ولو بالحد الأدنى (سياسي وديبلوماسي فعلي) لاطلاق الاسرى اللبنانيين في سجون العدو، والآن يأتي بعضهم ليضع أسئلة وإشكاليات حول موقف المقاومة او توقيت ردها على الانتهاك الاسرائيلي.
بعضهم يتحدث عن إحراج أمام القوى الخارجية وضغوطها، لكن وطنيتهم "الخارجية" لم تشعرهم بإحراج ولو بسيطاً أمام أهل سمير القنطار ويحيى سكاف ونسيم نسر، ولا إحراج لديهم أمام اللبنانيين الجنوبيين من أصحاب الحقوق في المزارع او تلال كفرشوبا وبقية الأراضي المحتلة.
لا يشعر هؤلاء (أصحاب الاقنعة) بأي إحراج عندما تخترق طائرات العدو سماءنا، كل ما يهمهم ان لا يحرجوا امام السفير الاميركي او الوزير الاجنبي، انها لحظة الحقيقة لكثيرين، لكنها بالأهم درس لرأس الأفعى، الاحتلال، الذي تلقى الضربة وما تبقّى له حديث آخر.
د.حسين رحال
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018